لما أهبط الله آدم عليه السلام إلى الأرض قالت الملائكة أي ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون البقرة 30 قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله تعالى للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض فتنظروا كيف يعملان قالوا ربنا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها قالت لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك فقالا لا والله لا نشرك بالله شيئا أبدا فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا لا والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا حتى سكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه إلا فعلتماه حين سكرتما فخيرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا
فلما أن أفاقا جاءهما جبريل عليه السلام من عند الله عز وجل وهما يبكيان فبكى معهما وقال لهما ما هذه البلية التي أجحف بكما بلاؤها وشقاؤها فبكيا إليه فقال لهما إن ربكما يخيركما بين عذاب الدنيا وأن تكونا عنده في الآخرة في مشيئته إن شاء عذبكما وإن شاء رحمكما وإن شئتما عذاب الآخرة فعلما أن الدنيا منقطعة وأن الآخرة دائمة وأن الله بعباده رؤوف رحيم فاختارا عذاب الدنيا وأن يكونا في المشيئة عند الله قال فهما ببابل فارس معلقين بين جبلين في غار تحت الأرض يعذبان كل يوم طرفي النهار إلى الصيحة ولما رأت ذلك الملائكة خفقت بأجنحتها في البيت ثم قالوا اللهم اغفر لولد آدم عجبا كيف يعبدون الله ويطيعونه على ما لهم من الشهوات واللذات
فاستغفرت الملائكة بعد ذلك لولد آدم فذلك قوله سبحانه والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض الشورى 5
منقول من كتاب التوابين لموفق الدين عبد الله بن قدامه
ويمكن الإطلاع على أسانيدها ومتونها بالرجوع إلى مواضعها المذكورة أدناه - إن شاء الله تعالى - :
الحديث الأول : عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن آدم - (عليه الصلاة والسلام )- لما أهبطه الله - تعالى - إلى الأرض ، قالت الملائكة : أي رب !{ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } قالوا : ربنا نحن أطوع لك من بني آدم ، قال الله - تعالى - : للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبط بهما الأرض فننظر كيف يعملان ، قالوا : ربنا هاروت وماروت ، فأهبطا إلى الأرض ، ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر ، فجاءتهما فسألاها نفسها ، فقالت : لا والله ، حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك فقالا : والله لا نشرك بالله ، فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله ، فسألاها نفسها ، قالت : لا والله حتى تقتلا هذا الصبي ، فقالا : والله لانقتله أبدا ، فذهبت ثم رجعت بقدح خمر ، فسألاها نفسها ، قالت : لا والله حتى تشربا هذا الخمر ، فشربا فسكرا ، فوقعا عليها وقتلا الصبي ، فلما أفاقا قالت المرأة : والله ما تركتما شيئأ مما أبيتما علي إلا قد فعلتما حين سكرتما ، فخيرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا ) ( حديث باطل مرفوعا ) انظر : [ السلسلة الضعيفة 1 / 315 . رقم 170 ] .
الحديث الثاني : ( إن الملائكة قالت : يا رب ! كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب . قال : إني ابتليتهم وعافيتهم . قالوا : لو كنا مكانهم ما عصيناك . قال : فاختاروا ملكين منكم ، فلم يألوا أن يختاروا ، فاختاروا هاروت وماروت فنزلا فألقى الله تعالى عليهما الشبق ، قلت : وما الشبق ؟ قال الشهوة ، قال : فنزلا ، فجاءت امرأة يقال لها الزهرة ، فوقعت في قلوبهما ، فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه ، فرجع إليها ، ثم جاء الآخر ، فقال : هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي ، قال : نعم ، فطلبها نفسها ، فقالت ، لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان ، فأبيا ، ثم سألاها أيضا ، فأبت ، ففعلا ، فلما استطيرت طمسها الله كوكبا ،وقطع أجنحتها ، ثم سألا التوبة من ربهما فخيرهما ، فقال : إن شئتما رددتكما إلى ما كنتما عليه ، فإذا كان يوم القيامة عذبتكما وإن شئتما عذبتكما في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه ، فقال أحدهما لصاحبه إن عذاب الدنيا ينقطع ويزول ، فاختارا عذاب الدنيا على الآخرة ، فأوحى الله إليهما أن ائتيا بابل فانطلقا إلى بابل ، فخسف بهما فهما منكوسان بين السماء والأرض معذبان إلى يوم القيامة ) حديث باطل . بتحقيق الألباني . انظر : [ السلسلة الضعيفة 2 / 313 . رقم 912 ] .
الحديث الثالث : ( لعن الله الزهرة ، فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت وماروت ) رواه : (ابن راهويه وابن مردويه) عن علي – رضي الله عنه - . حديث موضوع . بتحقيق الألباني . انظر : [ السلسلة الضعيفة 2 / 313 . رقم 913 ] و [حديث رقم: 4685 في ضعيف الجامع ] .
الحديث الرابع : عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن آدم لما أهبط إلى الأرض قالت الملائكة : أي رب { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } قالوا : ربنا نحن أطوع لك من بني آدم . قال الله لملائكته : هلموا ملكين من الملائكة فننظر كيف يعملان ، قالوا : ربنا هاروت وماروت ، قال : فاهبطا إلى الأرض ، فتمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر ، فجاءاها فسألاها نفسها ، فقالت : لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك ، قالا : والله لا نشرك بالله أبدا ، فذهبت عنهما ثم رجعت إليهما ومعها صبي تحمله ، فسألاها نفسها ، فقالت : لا والله حتى تقتلا هذا الصبي ، فقالا والله لا نقتله أبدا ، فذهبت ثم رجعت بقدح من خمر تحمله فسألاها نفسها فقالت : لا والله حتى تشربا هذه الخمر ، فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي ، فلما أفاقا قالت المرأة : والله ما تركتما من شيء أبيتماه علي إلا فعلتماه حين سكرتما ، فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا والآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا ) ( حديث منكر) بتحقيق الألباني . انظر : [ ضعيف الترغيب والترهيب جـ 2 رقم 1416 ] .
مما تقدم يتبن لنا ما يلي :
1 ــ لم يثبت في هذه النصوص حديث صحيح ، كما أن الأحاديث المتقدمة أعلاه ما بين باطلة ومضوعة ومنكرة ، وكلها مخالفة لنصوص الوحيين " الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة " .
2 ــ كما أنها مخالفة للنقل ، فهي مخالفة للعقل أيضا ، [ ومن ذلك أن فيه وصف الملكين بأنهما عصيا الله – تبارك وتعالى - بأنواع المعاصي على خلاف وصف الله – تعالى - لعموم ملائكته في قوله – عز وجل – { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) (التحريم : 6) ] . انظر: [ ما بين المعكوفتين في : سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1 / 207 رقم 170 ] .
وخلق الله – تعالى - الملائكة أجساما نورانية بلا شهوة ، فهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون .
كما أن الكواكب التي نراها وتبدو صغيرة لبعدها عن الناظر ، قد تكون أحجامها أضعاف أضعاف حجم الكرة الأرضية بآلاف المرات ، وما يكون جسم المرأة الصغير بالنسبة إلى هذه الأجرام السماوية الهائلة ؟؟ !! .
3 ــ قولهم عن الملائكة أنها قالت : { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } كان بعد إهباط آدم إلى الأرض . قول غير صحيح ، ومخالف لما نص عليه الكتاب العزيز لأن قولهم هذا كان كان قبل خلق آدم ، وقبل أمرهم بالسجود له – سجود تحية وتكريم – لا سجود عبادة ، وقبل إهباطه وأمنا حواء من الجنة إلى الأرض ، لأن هبوطهما كان بعد أكلهما من الشجرة .
قال الله - تعالى - : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } (سورة البقرة: آية 30 ــ 38 ) .
4 ــ قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - عند تفسيره لهذه الايات الكريمة : [ وقول الملائكة هذا ليس على وجه الإعتراض على الله ، ولا على وجه الحسد لبني آدم كما يتوهمه بعض المفسرين ! وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك ...] انظر : [عمدة التفسير 1/ 129 ] .
5 ــ أن السحر كفر ، وأنه من عمل الشياطين الذين يعلمون الناس السحر فيفتنونهم . ولقد حذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عدة آيات وأحاديث في مواضع كثيرة . وبيّن أنه شرك وكفر .
6 ــ برّأ الله – تبارك وتعالى - من فوق سبع سماواته ، سليمان - عليه الصلاة والسلام – مما قصته الشياطين وحدثت به عنه كاذبة ، أنه أخفى كتب السحر تحت كرسي عرشه .
وحاشا له وهو النبي الكريم الذي جاء بدعوة التوحيد ، وامتنّ الله – تعالى - عليه بأن حكم الإنس ، والجنّ ، والطير ، والريح . أن يستأثر بكتب السحر وهو يعلم أنها كفر . أو أن يُعلّمَ بها أناسا ، ويُخفيها عن آخرين .
7 ــ إن السحر كان معروفا قبل عهد سليمان - عليه الصلاة والسلام – ، وليس جديدا على بني إسرائيل ، ليحرضهم الشيطان على ملك سليمان ، وليستخرجوا كتب السحر من تحت كرسي عرشه .
قال الحسن البصري – رحمه الله تعالى - : قد كان السحر قبل زمان سليمان ابن داود - صحيح لا شك فيه لأن السحرة كانوا في زمان موسى- عليه الصلاة والسلام – وسليمان بعده ، كما قال – تعالى - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى } الآية : ( البقرة 243) . ثم القصة بعدها وفيها : { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ) (البقرة : 252) .
8 ــ وعلى ذلك فإن ما يسمى " بالعهود السليمانية السبعة ، والتي تنسب لسليمان - عليه الصلاة والسلام – كذبا وافتراء عليه . فليحذر الذين يبيعونها ويشترونها ، ويعلقونها لإلقاء محبة ، أو جلب خير ، أو لدفع ضر ، أو لدفع تابعة وتثبيت حمل ، أو حصول بركة – زعموا - ، فإنها من كذب الشياطين ، وترويج المشعوذين .
ولنا في كتاب الله – تبارك وتعالى - وما صح من سنة وأحاديث رسولنا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم – للدعاء والرقية بها ، بُلغة وكفاية .
جزى الله شيخنا الألباني عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، فقد بذل قصارى جهده في تصفية الأحاديث ، وتنقية الأدلة ، وبيان سليمها من سقيمها ، لتكون عونا لطلبة العلم وغيرهم ليعبدوا الله على بصيرة .
وجزى الله مشايخنا الكرام من أئمة السلف الصالح ، وجعل الفردوس الأعلى مأواهم أجمعين ، وأثقل له الموازين في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، إلا من اتى الله بقلب سليم .
المراجع : ــ
1. القرآن الكريم .
2. تفسير القرآن العظيم لابن كثير – رحمه الله تعالى – جـ 1.
3. عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير . اختصار وتحقيق أحمد شاكر – رحمهما الله تعالى – جـ 1 .
4. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة جـ 1 و جـ 2 .
5. ضعيف الترغيب والترهيب جـ 2 .
6. ضعيف الجامع جـ 2 .