( أيتها المرأة! الحجاب أو النار )
ون شفافاً غير سميك، ولو كان طويلاً، ولو كان كاملاً، لكن يكون غطاء الوجه -مثلاً- شفافاً لا يستر، فتكون كاسيةً عاريةً. ثالثاً: أن يكون الحجاب ضيقاً غير فضفاض، فيجسد جسدها، ويبين تقاسيم بدنها. عباد الله: انظروا اليوم إلى نساء المسلمين وهن خارجات منعناصر الموضوع:
1. الحجاب عند الأمم الماضية والجاهلية
2. أدلة وجوب الحجاب من الكتاب والسنة
3. القرار في البيوت
4. شروط الحجاب
5. شبهات حول الحجاب والرد عليها
أيتها المرأة! الحجاب أو النار:
إن الأمر بالحجاب قد جاء في الكتاب والسنة؛ فهو واجب وجوباً عينياً على كل مسلمة، بل إنه قد ورد التنويه بوجوبه في الكتب السماوية الأخرى، وكذلك كان الحجاب موجوداً حتى عند الجاهليين .. وعن موضوع الحجاب تحدث الشيخ حفظه الله، فذكر أدلة وجوبه من الكتاب والسنة، ثم ذكر شروطه وأنواعه، ثم تحدث عن بعض شبهات العلمانيين حول الحجاب، ورد عليها وفندها تفنيداً مقنعاً.
الحجاب عند الأمم الماضية والجاهلية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار. أيها المسلمون: إن مما جاء به هدي كتاب ربنا سبحانه وتعالى، ومما جاء في سنته صلى الله عليه وسلم: الأمر بحجاب المسلمات؛ صيانةً للمرأة المسلمة عن المفاسد والشرور، وربها الذي هو أعلم بها قد فرض عليها الحجاب، وهؤلاء النساء هن بناتنا، وأخواتنا، وزوجاتنا، وقريباتنا، وجاراتنا، هؤلاء لا بد أن تدخل كل واحدةٍ منهن تحت حديثه صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته). لقد أنزل الله في كتابه بياناً لنعمةٍ ومنةٍ منه سبحانه وتعالى، وهي قوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ [الأعراف:26] ولباس التقوى: هو ما يلبسه المرء المسلم مما يتقي به ربه، فيستر عورته، والله سبحانه وتعالى حييٌ ستيرٌ يحب الحياء والستر، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: (اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي). لقد فرض الله الحجاب على نساء المسلمين، وجاءت إشارات إلى أنه كان معروفاً في الأمم من قبلنا، وحتى كتبهم المحرفة التي بقيت إلى هذا الزمان فيها إشارات إلى حجاب المرأة في ذلك الوقت، كما في كتب العهدين القديم والجديد، وكما ورد في الأصحاح الرابع والعشرين والثامن والثلاثين من سفر التكوين ، والأصحاح الثالث من سفر أشعياء : إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن، والمباهاة برنين خلاخلهن؛ بأن ينزع عنهن زينة الخلاخل والضفائر والحلق والأساور والبراقع والعصائب. وكانت الكنيسة حتى القرون الوسطى تخصص جانباً منها للنساء حتى لا يختلطن بالرجال، وكفار العرب في الجاهلية كان من مكارم الأخلاق عندهم- كما تذكر أشعارهم- ستر المرأة وحجبها، قال الشاعر:
تكثم عن جاراتها فيزرنها وتعتل من إتيانهن فتعذرُ
لأنها كانت تجلس في البيت، وحجاب الوجه كان معروفاً عند العرب أيضاً، كما حدث أن امرأة النعمان سقط خمارها عن وجهها أمام الناس وهي تسير، فمالت إلى الأرض تلتقطه بيد ويدها الأخرى على وجهها، حتى قال النابغة :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليدِ
وحرب الفجار قامت بين قريش وهوازن بسبب تعرض شباب من كنانة لامرأة من غمار الناشي راودوها على كشف وجهها، فنادت: يا آل عامر! فجاوبتها سيوف بني عامر، وورد في أشعارهم ذكر القناع والبرقع والحجاب والمرط والكساء.. ونحوها. هذا ما كانت تفعله بعض نساء العرب، دلالة على أنه من مكارم الأخلاق عندهم. أما البعض الآخر فكن متبرجات، ووصل الأمر بحالهن أنهن كن يطفن بالكعبة عرايا، فقال الله عز وجل: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
أدلة وجوب الحجاب من الكتاب والسنة:
إن أدلة حجاب المرأة في القرآن والسنة أكثر من أن تذكر، وأعظم من أن يحاط بها، قال الله عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].. وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (المرأة عورة) لم يستثن منها شيئاً صلى الله عليه وسلم، وهذا هو النص المحكم الجامع للأمور، ومن فقه هاتين الكلمتين فقط (المرأة عورة) لم يحتج بعد ذلك إلى دليل آخر لحجب بدن المرأة كاملاً.. وجهها وشعرها وكفيها وقدميها وسائر بدنها. وقد أمر الدين بستر العورات أمر وجوب لا محيد عنه، وقد ورد في تطبيق صحابيات المؤمنين وأمهاتهم ما يدل دلالة قطعية على وجوب تغطية جميع البدن بما فيه الوجه أمام الرجال الأجانب .. جاء في صحيح الإمام البخاري في حديث الإفك الطويل المشهور .. وفيه: (وكانوا في سفر في غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت عائشة لتقضي حاجتها، وتبحث عن عقد لها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسير الجيش، فأخذوا بهودج عائشة ليرفعوه على البعير، ولم تكن موجودة داخل الهودج لذهابها، فأخذوا برأس البعير وانطلقوا به، ورجعت إلى العسكر، وما فيه من داعٍ ولا مجيبٍ، قد انطلق الناس، قالت رضي الله عنها: فتلفعت بجلبابي، ثم اضطجعت في مكاني، إذ مرَّ بي صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه، وكان امرءاً يثقل عليه النوم، فيستيقظ متأخراً -ولأجل ذلك كان يستفاد منه أنه كان يسير وراء الجيش يتفقد الأغراض الضائعة، فيحملها لأصحابها في الجيش- تقول: إذ مرَّ بي صفوان بن المعطل السلمي ، وكان قد تخلف عن المعسكر لبعض حاجاته، فلم يبت مع الناس، فرأى سوادي، فأقبل حتى وقف عليَّ فعرفني حين رآني، وكان قد رآني قبل أن يفرض علينا الحجاب .. مرت فترة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين كان الحجاب غير واجب، وهذا من حكمة الله في التدرج في التشريع. قالت: وكان قد رآني قبل أن يفرض الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه -أي: وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون- فخمرت وجهي بجلبابي). احفظوا هذه العبارة لكي تضعوها سهماً تخزقون به أعين دعاة التحرر والسفور والتبرج، الذين ما فتئوا يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا بجميع الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، اجعلوا هذا النص من عائشة سهماً تخزقون به عيونهم، قولوا لهم: إن عائشة قالت في صحيح البخاري : إن صفوان كان قد رآها قبل آية الحجاب، وفي غزوة بني المصطلق في حادثة الإفك، قالت عائشة لما عرفت بوجود صفوان : فخمرت وجهي بجلبابي؛ دلالة على أنها تفهم تماماً وجوب تغطية وجهها. وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام قد أمر الخاطب بالنظر إلى المخطوبة .. أسألكم بالله لو كان كشف الوجه جائزاً فلماذا يأمره بالذهاب والنظر إلى وجهها؟ أفلا ينظر إليها في الشارع؟ أفلا ينتظرها حتى تخرج من البيت فيسير مقابلاً لها ليرى وجهها؟ فلماذا يقول عليه الصلاة والسلام: (اذهب فانظر إليها)؟ فإن قلت: يقصد الشعر والذراعين. أقول لك: إنه عليه الصلاة والسلام قال: (اذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً) أي: إن أعين نساء الأنصار كان فيها شيء من الصغر، فقال: (اذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً) وأين العينين؟ هل هن في الشعر أم في الذراعين أم في القدمين أم في المؤخرة؟ إن العينين في الوجه. ولماذا كان بعض الصحابة يختبئ للمرأة التي يريد خطبتها حتى يراها وهي غير عالمة؟ ولو كان كشف الوجه جائزاً فلماذا يختبئ؟ لماذا يكلف نفسه عناء الاختباء؟ كان عليه أن يسير في الشارع فينظر إليها. إذاً: كان الوجه يجب ستره،كذا فهمن، وكذا عملن. وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها، فقال: (اذهب فانظر إليها، فإنه أجدر أن يؤدم بينكما) فأتيت امرأة من الأنصار، فخطبتها إلى أبويها، وأخبرتهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنهما كرها ذلك -أي: أن يطلع هذا الرجل على ابنتهما في البيت- قال: فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها، فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر، اكشف الغطاء وانظر إليَّ، وإلا فأنشدك -غلظت عليه- إن كان لم يأمرك، فإني أحرج عليك النظر. قال: فنظرت إليها، فتزوجتها، ثم ذكر من موافقتها -أي: من طوعها- لزوجها وحسن تعاملها معه. وقال صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: نساءٌ كاسيات عارياتٌ، مائلاتٌ مميلاتٌ، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا، العنوهن فإنهن ملعونات). وهذه روايات صحيحة. كيف تكون المرأة كاسية عارية؟ كيف تكون لابسة وفي نفس الوقت غير لابسة؟ يكون ذلك بأحد أمور ثلاثة: أولاً: إما أن يكون الثوب الذي تلبسه قصيراً لا يستر جميع البدن. ثانياً: أن يك بيوتهن في الشوارع والأسواق، وفي السيارات.. انظروا إليهن كم بالمائة منهن يدخلن في هذا الحديث؟ (كاسيات عاريات لا يجدن ريح الجنة). أيها الناس: إن المرأة التي تسير في الشارع؛ سواء كانت زوجة، أو أختاً، أو أماً، أو بنتاً، أو جارة، فإنها تدخل في مسئوليتك أنت، وإني أهيب بك -أيها المسلم- ألَّا تجعل هذه المرأة محرومة من رؤية الجنة، ووجود ريح الجنة، أهيب بك أن تأخذ عليها، فتأمرها بالستر. لقد كن الصحابيات حريصات كل الحرص على ستر العورة، وهذا حديث المرأة السوداء المصروعة، فيه دلالة قاطعة على ما نذكر.. عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: (ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف- فيها جني يدخل بها ويصرعها، فيسبب لها انكشاف عورتها- فادع الله لي أن أبرأ من الصرع. فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئت صبرت ولك الجنة -على هذا الصرع- وإن شئت دعوت الله عز وجل أن يعافيك، فلما وازنت المرأة بين الأمرين، قالت: أصبر، ولكني أتكشف، وفي رواية: إني أخاف الخبيث أن يجردني- أي: الشيطان الذي بداخلها، ابتلاء- فادع الله ألَّا أتكشف. فدعا لها) رواه البخاري . وقال صلى الله عليه وسلم: (خير نسائكم الودود الولود المواتية- التي تطيع زوجها- المواسية- التي تواسيه- إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات -وهن المنافقات- لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم) هل رأيت غراباً قدماه حمراوان ومنقاره أحمر، إنها فصيلة نادرة جداً من الغربان، فإن الغربان سوداء خالصة، وهذا النوع من الغربان نادر. إذاً: نسبة دخولهن في الجنة كنسبة وجود الغراب الأعصم بين الغربان. وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: [كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي رضي الله عنه واضعةً ثوبي- بعد موتهما كانت تدخل الحجرة التي كانا فيها واضعةً ثوبها- وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر رضي الله عنه والله والله والله ما دخلته إلا مشدودةً عليَّ ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنه]. أين عمر؟ إنه تحت الأرض، ولكنها تستحي، وهذا أثر صحيح. أيتها النساء في البيوت! أخاطبكن من هذا المنبر، عائشة تستحي من عمر ، و عمر تحت الأرض، فلا تدخل الحجرة إلا وثيابها مشدودة عليها، وكثير منكن يخرجن إلى الشوارع والأسواق أمام الناس الذين لا يساوون شيئاً بجانب عمر وهو حي وهم أحياء، ويشاهدنك وأنت متبرجة متهتكة سافرة، وإن لبست حجاباً فإنه يكون مزركشاً أو مطرزاً -قاتل الله الذين يستوردون هذا النوع من الحجاب ويبيعونه في الأسواق، وقاتل الله من يشتري لزوجته مثل هذا، وقاتل الله المرأة التي تلبس مثل هذا- وأنتم ترون بأنفسكم الآن -أيها الإخوة- هذه الخُمر التي يزعمون أنها خُمر مطرزة من جوانب الخمار مزركشة يلبسنها هكذا فوق الرأس مستديرة، ويزعمن أنها حجاب، وأصناف أخرى بغير حجاب ألبتة. أيها الناس.. أيها المسلمون عباد الله: اتقوا الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]. عائشة ومن معها كن إذا مرَّ بهن الركبان من الرجال، وهن ذاهبات في سفر الحج والعمرة، إذا مرَّ بهن الرجال أسدلت إحداهن جلبابها وخمارها على وجهها، إذا حاذين الرجال في السير؛ حتى لا يرى الرجل شيئاً من تلك المرأة مطلقاً. وهذه قصة سجلها التاريخ بمداد من الذهب لامرأة اختصمت مع زوجها إلى قاضي الري سنة (286هـ)، فادعت على زوجها صداقاً قيمته خمسمائة دينار، وقالت: لم يسلمه إلي، فأنكر الرجل، فجاءت المرأة ببينة تشهد لها بالصداق، فقال الشهود: نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا؟ والنظر إلى وجه المرأة من قبل الرجل الأجنبي يباح في حالات الضرورة، كالخطبة والشهادة في المحكمة، فإنه يضطر أحياناً إلى معرفة هل المرأة التي تقدمت للمحكمة فلانة أم لا؟ ثالثاً: التطبيب ورؤية الطبيب لشيء في وجه.
القرار في البيوت:
هذا الحجاب الذي أنزله ربنا حجاب في البيوت أولاً، لأنه قال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] فلا تخرج إلا للحاجة.. مكان المرأة في البيت رغماً عن أنف العلمانيين. مكان المرأة في البيت رغماً عن أنف دعاة التحرر والسفور. مكان المرأة في البيت لا تخرج إلا للحاجة، ولا يعني للحاجة أي: للمقبرة، أو بيت الزوج، كلا. لكن تخرج لحاجة، إذا احتاجت الخروج فتخرج، كأن تزور أهلها، أو تشتري أشياء لا يعرف شراءها إلا هي، فتخرج، ولكن بالشروط الشرعية، أما أن تصبح المرأة خراجة ولاجة، تخرج كل يوم عدة مرات لحاجة ولغير حاجة، فإنها تخالف قول الله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] وأنتم تعلمون معنى القرار والاستقرار. الحجاب الثاني: هو الجلباب والخمار الذي تستر به المرأة نفسها يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]. الحجاب الثالث: وهو حجاب ثالث داخل البيت، تستر به المرأة نفسها أمام المحارم.. أمام الأخ والأب وحتى الأخت، لا تكشف المرأة إلَّا الشعر والوجه والعنق وما فوق موضع القلادة، ومن منتصف العضد إلى الأسفل، والقدمين وأسافل الساقين دون الخلاخل تكشفه، وما فوق ذلك تستره حتى أمام محارمها، فهذا حجاب ثالث داخل البيت.
شروط الحجاب:
لقد ذكر علماؤنا شروطاً للحجاب، فالمسألة ليست لعباً، وأي حجاب يُشترى في السوق، فلا بد فيه: أولاً: أن يكون شاملاً للبدن لا يكشف شيئاً منه أمام الأجانب. ثانياً: أن يكون سميكاً صفيقاً غير شفاف. ثالثاً: أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق. وأنواع العباءات التي تلبس الآن، والتي تلتصق بالجسد، فهي سوداء، ولكنها ملتصقة تعرف منها حجم المرأة وأعضاءها، وتميز يديها ووسطها من هذه العباءة التي تلبسها. رابعاً: ألا يكون مطيباً ولا مبخراً. خامساً: ألا يشبه لباس الرجال، فلا يجوز للطبيبة في المستشفى أن تلبس هذا الصدار الذي يلبسه الطبيب، لا بد أن يختلف عنه في تفصيله حتى لو كانت متحجبة حجاباً كاملاً. سادساً: ألا يشبه لباس الكافرة، فلا يجوز مشابهة لباس الكافرات. سابعاً: ألا يكون ثوب شهرة. وكل الأحاديث التي وردت فيها شيء يدل على كشف المرأة لوجهها، فإما أن تكون أحاديث ضعيفة، وإما أن تكون أحاديث وقائع لا عموم لها، أي: أشياء فردية لا يمكن تطبيقها، ومجابهة ونسف النصوص العامة بهذه الأحاديث الخاصة، أو أن تكون الأحاديث فيها ترخيص في الرؤية؛ كالخطبة والتطبيب والشهادة، أو أن تكون أحاديث يتطرق إليها الاحتمال، فيسقط بها الاستدلال، ونحن مع المحكم من كتاب الله.. مع الأدلة القطعية وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31] وأنتم تعلمون الآن من الواقع حكمة ربنا في فرض الحجاب.
نظرةٌ فابتسامةٌ فسلام فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ:
وكم من البيوت تدنست، وكم من الأعراض تلوثت بسبب عدم لباس هذا الحجاب! أيها الإخوة:
يقضى على المرء في أيام محنتـه حتى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ، وهذه محنة الدين التي يعيشها كثيرٌ من المسلمين الآن؛ فلا يبالي الرجل مطلقاً وزوجته تسير سافرة بجانبه، ولا يبالي أبداً وهي تختلي بسائق في السيارة، ولا يبالي وهي تخرج من المدرسة كاشفة، وثيابها رقيقة، وقد رفعتها، وسمي الآن بنصف العباءة، أن تكون الثياب من أسفل كاشفة وضيقة. أيها المسلم: عندما تخرج معك زوجتك متزينة إلى السوق والشارع، أتراها تتزين لمن؟ اسأل نفسك هذا السؤال: تتزين لمن؟ أسألك بالله العظيم إذا خرجت معك زوجتك إلى الشارع وهي متبرجة متعطرة متكشفة، رافعة جلبابها، حاسرة عن وجهها، والخمار إلى نصف الشعر لمن تتزين؟ هل تتزين لك أنت وقد كان حريٌ بها أن تتزين لك داخل البيت؟ ما معنى أن تترك الزينة لك داخل البيت ثم تتزين للناس في الشارع؟ أين الغيرة يا عباد الله؟ اللهم مُنَّ علينا بالحياء والستر يا رب العالمين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم .
شبهات حول الحجاب والرد عليها:
الحمد لله الذي لا إله إلا هو ولي الصالحين، الحمد لله القائل في كتابه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90] وإذا قالوا لنا: إن الدين لا يأمر بهذا الحجاب الكامل، نقول لهم: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ [الأعراف:28-29] لقد كان الناس في هذه البلاد إلى عهد قريب يقومون ويطبقون ما قاله عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة) فكانت المرأة تستر في كثير من البيوت، وفي كثير من المجتمعات، ولكن الآن -أيها الإخوة- انخلعت الغيرة من قلوب الكثيرين، صرت تمشي في الطريق فترى التبرج عاماً شاملاً إلا من رحم الله، تقف بسيارتك عند إشارة المرور، فتلتفت يميناً وشمالاً لترى رجلاً واضعاً زوجته بجانبه وهي متبرجة في السيارة عند إشارة المرور. وهناك في الأسواق -أيها الإخوة- مناظر ما كنا نراها من قبل أبداً، وقد غزت مجتمعنا هذا، فما بالك بغيره من مجتمعات المسلمين. أسألكم: هل كان التبرج موجوداً من قبل مثلما هو موجود الآن؟ التستر الذي كان موجوداً أين ذهب؟ كانت طبائع كثير من البدو تأبى تماماً أن تكشف المرأة، ثم قامت المسلسلات البدوية المعروضة بنسف وإزالة جميع أنواع الغيرة الموجودة عند كثير من هؤلاء، حتى أصبحت ترى اليوم الموظفة في بعض الشركات التي كان أبوها في يومٍ من الأيام أو جدها يرفض نهائياً أن يرى منها شيئاً، تخرج متبرجة بين المكاتب والموظفين! حرامٌ عليكم.. حرامٌ عليكم ما أقررتم من الفساد والخبث في بيوتكم، وحرامٌ ما أقررتم من الشر والفحشاء والسفور في مجتمعاتكم، إن الله سيسألكم عن هؤلاء، وسيعذب كل من قضت حكمته أن يعذبه بمخالفة هذا الأمر. أيها الناس: أما كفاكم أن يكون التبرج في كثير من نسائكم، حتى رضيتم أن تكون هؤلاء المتبرجات فتنة للناس الآخرين الذين يمشون في الشوارع، فيطالعون في وجوه النساء، وينظرون إلى أبدانهن. إن المرأة لو كانت لابسةً لباساً كاملاً.. متحجبةً حجاباً تاماً، فمن الذي يجرؤ على ملاحقتها أو النظر إليها؟ وقد يقول هؤلاء المتشبعون بشبهات العلمانيين: إن المرأة إذا كانت متحجبة حجاباً تاماً لفتت الأنظار إليها، لكن إذا صارت متبرجة مثل عموم النساء، لن يلتفت إليها أحد!! كذبوا والله كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5] إذا كانت المرأة مستوفية لشروط الحجاب التام، فإن بعض الناس ينظرون إليها باستغراب، ولكن سينظرون، ويوجهون البصر، ثم يعيدون النظر مرة أخرى، ماذا سيحدث؟ سينقلب إليهم البصر خاسئاً وهو حسير، لأنهم ما ظفروا بشيء من هذه المتحجبة، لأنها ما أخرجت من بدنها شيئاً ينظرون إليه، فلو نظروا للاستغراب في الوهلة الأولى، فإنه سينقلب إليهم بصرهم خاسئاً كليلاً وهو حسير، لأنهم ما رأوا شيئاً، ولا ظفروا ببغيتهم، لكن أن تجعلوا نساءكم معارض يشاهدها الغادي والرائح، فأين الغيرة أيها المسلمون؟
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ:
يا أيها الناس.. يا أيها المسلمون: لا تستمعوا إلى دعاة العلمانيين، إن هؤلاء الذين يروجون المقالات التي تأتي بالشبهات لا تستجيبوا لهم مطلقاً، وهذا الضال الذي يقول ما يفرح العلمانيين الملحدين الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، هذا الضال الذي لا زال يجرؤ على الشريعة، ويقول: إن حجاب الوجه غير موجود في المذاهب الأربعة كلها، هذا الضال الجاهل لا تستجيبوا لدعوته ولا لكلامه، اقرءوا كلام أهل العلم، إن هؤلاء يكتبون وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202] ويقولون لك في ضمن شبهاتهم: إذا كانت تغطية الوجه واجبة فلماذا أمرت الشريعة بغض البصر؟ يقولون لك: إذا كانت تغطية الوجه واجبة فعن أي شيء نغض الأبصار؟ ولماذا قال الله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]؟ نقول لهم: يا دعاة التحرر والسفور! يا أيها الذين لا تخشون الله! لأنكم تعلمون أن الوضع وضع فتنة، ولو رجحتم كشف الوجه فهل يجوز أن ترجحوه الآن في هذا الزمان؟ افرضوا -أيها الإخوة- أن الرأي الآخر القائل بكشف الوجه رأي سديد صحيح، فهل يجوز أن يطبق في هذا العصر وفي هذا الزمان؟ ألستم تعلمون أن من قواعد الشريعة سد الذرائع، وكل باب يؤدي إلى الفساد يسد حتى لو كان أصله حلالاً، أنت تعلم أن بيع العنب حلال، لكن لو وجدت واحداً يشتريه منك ليصنع الخمر فلا يجوز أن تبيعه، مع أن بيعه في الأصل حلال. فنقول: افترض أن كشف الوجه حلال، فهل يصلح في هذا الزمان أن تكشف فيه الوجوه؟ وهل يصلح أن تبدي فيه المرأة عن زينتها؟ وأنتم ترون كلاب الشهوات المسعورة تلاحق النساء في كل مكان، فهل يصلح أن نطبق فيه هذا الرأي؟ نقول له: إن المرأة لو كانت متحجبة فإنها قد تتعرض لأحوال ينكشف فيه حجابها، قد تهب عليها الريح الشديدة في الشارع فينكشف شيء من ساقها، فهل آية غض البصر مفيدة أم لا؟ قد ترفع قدمها لتركب في السيارة، فتشاهد أنت شيئاً من القدم، فهل آية الأمر بغض البصر مفيدة أم لا؟ إذا كنت صاعداً في سلم عمارة، وفتح ولدٌ باب شقة من الشقق فجأة، ونساء في الداخل لا يقصدن أن يرى أحدٌ منهن شيئاً، فهل آية الأمر بغض البصر مفيدة أم لا؟ ثم إن الله يعلم أنه بالرغم من الأمر بالحجاب فإنه سيبقى هناك أناسٌ لم يستجيبوا للحكم، وسيبقى هناك عصاة لن يستجيبوا للحكم، وسيخرجون بنسائهم إلى الشوارع- الله يعلم هذا- أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] فعندما يعلم الله أن هناك من النساء من يرفضن الحكم ويخرجن في الشوارع، أفتكون آية الأمر بغض البصر مفيدة أم لا؟ فإذا أطبقن النساء المسلمات على تغطية الوجه، أليس سيبقى من النساء الكافرات من لم يستجبن للحكم مطلقاً؟ إذاً: الآية الآمرة بغض البصر مفيدة، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنعام:37] ولكن أكثرهم لا يعقلون، ولكن أكثر الناس بآيات الله يستهزئون. أيها الإخوة: إن هذه الخطبة على مشارف شهر رمضان، وشهر رمضان له حرمته وقدسيته، فنريد أن نصوم شهراً بدون شهوات ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، نريد أن نصوم شهراً ولا نرى إلا خيراً، وإنني أدعوكم ونفسي للالتزام بهذا الفقه، والشر الناتج عن التبرج كثير، ولو جلسنا نشرحه لطال بنا الموقف، فأدعوكم ونحن مقدمون على شهر رمضان أن تتوبوا إلى الله جميعاً، ومن كان منكم لم يأخذ على نساء أهل بيته بالحجاب، فليأخذ الآن، فإن المعصية في الزمان الفاضل تضاعف، كما أن المعصية في المكان الفاضل تضاعف، وهذا من قواعد الشريعة. اللهم إنا نسألك أن تحصن فروجنا، وأن تطهر قلوبنا، وأن تستر نساءنا. اللهم إنا نسألك العفاف والتقى والغنى. اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عيباً إلا سترته، ولا عورةً إلا سترتها يا رب العالمين.
أرجوا الرد