تعاني الكثير من الزوجات من صمت أزواجهن داخل المنزل، حيث تتعطل لغة الكلام بينهما، وتتصحر الألسن من الكلمات، بينما يتسم الزوج أو الزوجة خارج المنزل ومع الأصدقاء بالحديث المتدفق والكلمات الجذابة.. فلماذا يلوذ بعض الأزواج والزوجات بالصمت داخل جدران المنزل، بينما يُفترض أن يكون حديقة مليئة بالأصوات الجذابة، وليس صحراء تلفها رياح الصمت؟!
في البداية تروي "خديجة" قصتها مع "الخرس الزوجي" قائلة: عجزت عن فصل زوجي عن حياة العزوبية السابقة؛ فهو منطلق مع أصحابه، ويرتاح لهم جداً، وعندما يعود للمنزل يجد جواً آخر غير الذي اعتاده طوال عمره.. يجد زوجة لها طريقة أخرى في التفكير والكلام، ولها اهتمامات أخرى غير اهتمامات أصحابه، ويجد بيتاً له احترام وزوجة لها ثقافة أخرى، فيلجأ إلى الصمت؛ لأنه لا يجيد التعامل مع هذه الأجواء ولم يعتدها.
من جانبها تقول "أم سامية": أعاني كثيراً من صمت زوجي؛ فنحن لا نكاد نتحدث أبداً سوى كلمات قليلة أو مجرد سؤال ورد جوابه فقط! فأنا لاحظت عليه الهدوء منذ أيام زواجنا الأولى، لكن هذا الهدوء تحوّل إلى صمت شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت، فكنت أتمنى أن أنجب طفلاً يخرجني من الهامش الذي وضعني فيه صمت زوجي.
الأطفال ضحية
"أم جمال" علاقتها مع "الصمت الزوجي" تعود إلى سنوات بعيدة، حيث تقول: أعيش من خمس عشرة سنة مع زوجي في صمت رهيب؛ فلغة الحوار تعطلت منذ بداية حملي بطفلي الأول، حاولت النقاش معه بأساليب كثيرة عن هذا الوضع، لكن بدون فائدة،فلا هو يعلم السبب، ولا أنا أستطيع إيجاد حل! والآن إن كنت أريد شيئاً أجعل أحد الأبناء يخبره به، ونفس الحال معه أيضاً؛ فأبناؤنا هم اللغة المشتركة بيننا.
أما "أم ميسم" فتروي قصتها قائلة: الصمت هو سيد المنزل، وأكثر ما أخشاه هو تأثر أبني الوحيد بذلك، فهو على الرغم من عمره الصغير؛ إلاّ أنه بأشد الحاجة لأمه وأبيه وليس لأمه فقط، ولذا أعتقد أنه يشعر بفقدان لغة التواصل بيننا، فمن الطبيعي أن الأبناء يحتاجون إلى تماسك الأبوين مع بعضهما البعض؛ فكل منهما يكمّل الآخر، أما في حالة الصمت هذه فإن الطفل يحس بالضياع بين أبويه على الرغم من صغر سنه.
خجل ومشاحنات
في الجبهة المقابلة، فإن بعض الأزواج يلقي بمسؤولية غياب الحوار والتواصل داخل المنزل على الزوجة، حيث يقول "أحمد": حقيقة هي السبب؛ لأنها تخجل مني ولا تبادر بالكلام أو الملاطفة، ومع استمرار هذا الوضع الذي عجزت أن أغيره تعوّدت على الصمت في المنزل".
ويضيف: الأمر المزعج أن الزوجات يتهمننا بالصمت وهن أيضاً مثلنا، حيث أراها تتحدث مع إخوانها وأقربائها بكل أريحية وانطلاق؛ حتى إني لا أصدق أن زوجتي الصامتة هي التي أمامي، وعند خروجهم من المنزل تعود إلى صمتها".
أما بالنسبة لـ" سعد" فإن "الصمت الزوجي" يبدو أمراً طبيعياً بسبب طبيعة الزيجات التقليدية، التي لا يسبقها أي تعارف بين الزوجين، ويضيف: "هناك الكثير ممن لا يرى زوجته إلاّ ليلة الزفاف، فتبدأ علاقتهم كغريبين حُكم عليهما بالعيش سوية، ومنهم من يتحرّر من هذا القيد، وينجح في التواصل مع الطرف الآخر، ومن تستمر معه هذه الوحشة والغربة الذاتية، ومع مرور الوقت تستحكم عليهما فيعيشان غريبين وهما زوجان، ومن هنا لا وجود للغة ولا حضور للكلام، بل الصمت ولا غيره".
ومن زاوية أخرى، يوضح "شاهر" أن: المشاحنات الدائمة، خاصة إذا كانت الزوجة سليطة اللسان تؤدي بالزوج الذي يريد المحافظة على أسرته من التشتت إلى تجنب الاحتكاك بالزوجة وتجاهلها ليريح ويستريح. إضافة إلى أن هناك أزواجاً لا يوجد بينهما اهتمامات مشتركة، بل ربما يوجد هوة ثقافية كبيرة بينهما، مما يؤدي إلى تقطع التواصل إلاّ في حدود ضيقة جداً".