السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من وجد الله فماذا فقد ........ و من فقد الله فماذا وجد
أيوب وزوجته الوفية
دائما ما نردد كلمة صبر أيوب
فهل تعرف على ماذا صبرنبي الله أيوب
أيوب عليه السلام نبى من أنبياء الله العظام الذين جاء ذكرهم فى القرآن الكريم .. يعرفه العام والخاص ، فحين يضربون مثلا للصبر يقولون صبر أيوب
يا تُرى ما قصةُ أيوب عليه السلام؟
هو من ذرية يوسف عليه السلام ، تزوج سيدة عفيفة
وأيوب عليه السلام وزوجته الكريمة يعيشان فى منطقة حوران
وقد أنعم الله عليه بنعم كثيرة فرزقه بنينًا وبنات، ورزقه أراضي كثيرة يزرعها فيخرج منها أطيب الثمار .... كما رزقه قطعان الماشية بأنواعها المختلفة .. آلاف من رؤوس الأبقار ، آلاف رؤوس من الأغنام ، آلاف من رؤوس الماعز وأخرى من الجمال
وفوق ذلك كله أعلى الله مكانته واختاره للنبوة
وكان ملاذًا وملجأ للناس جميعًا وبيته قبلة للفقراء لما علموا عنه أنه يجود بما لديه ولا يمنعهم من ماله شيئًا
و لا يطيق أن يرى فقيرًا بائسًا، و بلغ من كرمه عليه السلام أنه لم يتناول طعامًا حتى يكون لديه ضيفًا فقيرًا
هكذا عاش أيوب عليه السلام
يتفقد العمل في الحقول والمزارع ، ويباشر على الغلمان والعبيد والعمال ، وزوجته تطحن وبناته يشاركن الأم
أما أبناؤه فكانوا يحملون الطعام ويبحثون عن الفقراء والمحتاجين من أهل القرية ، والخدم والعمال يعملون في المزارع والأراضى والحقول
وكان يشكر الله .. ويدعو الناس إلى كل خير وينهاهم عن كل شر
أحب الناسُ أيوب عليه السلام .. لأنه مؤمن بالله يشكر الله على نعمه .. ويساعد الناس جميعاً .. ولم يتكبر بما لديه ، من مزارع وحقول وماشية وأولاد
كان يمكنه أن يعيش في راحة ، ولكنه كان يعمل بيده ، وزوجته هي الأخرى كانت تعمل فى بيتها
راح الشيطان يوسوس للناس قائلاً لهم: إن أيوب يعبد الله لأنه أعطاه هذا الخير العميم والفضل الكثير من البنين والبنات والأموال من قطعان الماشية والأراضى الخصبة .. فأيوب يعبد الله لذلك وخوفاً على أمواله . ولو كان فقيرًا ما عبد الله ولا سجد له
ووجد الشيطان من يسمع له ويصغي لما يقول من وساوس .. فتغيرّت نظرتهم إلى أيوب عليه السلام وأصبحوا يقولون
إن أيوب لو تعرض لأدنى مصيبة لترك ما هو فيه من الطاعة والإنفاق فى سبيل الله .. ألا ترون كثرة أولاده وكثرة أمواله وكثرة أراضيه المثمرة ، فلو نزع الله منه هذه الأشياء لترك عبادة الله بل سينسى الله
ورويدًا رويدًا
تحول أهل حوران إلى ناقمين على أيوب عليه السلام بعدما كانوا يحبونه حباً جماً .. وأصبحوا يرون أيوب عليه السلام من بعيد فيتحدثون عنه بصورة مؤذية
بدأت المحنة والابتلاء من الله تعالى
فبينما كان كل شيء يمضي هادئاً . . فأيوب عليه السلام حامدًا شاكرًا ساجدًا لله تعالى على نعمه الكثيرة .. وأولاده ينعمون ويشكرون الله .. والعمال والعبيد يعملون في الأراضي والمزارع
أما زوجته فكانت تطحن في الرحى
وبينما الجميع في عافيةٍ من أمره مغتبطًاً مسرورًا ، إذ وقعت الابتلاءات والمحن
جاء أحد العمال يجرى ويصيح
يا سيدى .. يا نبيّ الله!؟
ماذا حصل ؟! تكلم!؟
لقد قتلوهم . . قتلوا جميع رفاقي . . الرعاة والفلاحين . . جميعهم قتلوا جرت دماؤهم فوق الأرض...
كيف حدث ذلك ؟
هاجمنا اللصوص . . وقتلوا من قتلوا وأخذوا ما معنا من ماشية
أخذ أيوب عليه السلام يردد : إنا لله وإنّا إليهِ راجِعون
إن الله سبحانه شاء أن يمتحن أيوب .. وأراد أن يبين للناس أن أيوب عليه السلام رجلاً
صابرًا محتسبًا ولا يعبده لأنه في غنى وعافية
في اليوم التالي نزلت الصواعق من السماء على أحد الحقول التابعة لما يملكه أيوب عليه السلام .. وجاء أحد الفلاحين .. كانت ثيابه محترقة وحاله يُرثى له
هتف أيوب عليه السلام
ماذا حصل ؟
النار ! يا نبي الله النار!
ـ ماذا حدث ؟
ـ احترق كل شيء . . لقد نزل البلاء . . الصواعق أحرقت الحقول والمزارع . . أصبحت أرضنا رمادًا يا نبي الله . . كل رفاقي ماتوا احترقوا
قالت زوجة أيوب عليه السلام:
ما هذه المصائب المتتالية ؟!
ـ اصبري يا امرأة . هذه مشيئة الله!
ـ مشيئة الله!!
أجل .. لقد حان وقت الامتحان .. ما من نبيٍّ إلاّ وامْتحنَ الله قلبه.
نظر أيوب عليه السلام إلى السماء وقال بضراعة:
ـ الهي امنحني الصبر
في ذلك اليوم أمر أيوب عليه السلام الخدم والعبيد بمغادرة منزله .. والرجوع إلى أهاليهم والبحث عن عمل آخر
وفى اليوم التالى .. حدثت مصيبة تتكسر أمامها قلوب الرجال
لقد مات جميع أولاده البنين والبنات ، حيث اجتمعوا فى دار لهم لتناول الطعام فسقطت عليهم الدار فماتوا جميعاً
وازدادت محنة أيوب عليه السلام أكثر وأكثر
فلقد اُبتلى فى صحته
وانتشرت الدمامل فى جسمه
وتحول من الرجل الحسن الصورة والهيئة إلى رجل يفر منه الجميل ولم يبق معه سوى زوجته الطيّبة
أصبح منزله خالياً لا مال له ، لا ولد ، ولا صحة
عَلَّمَ أيوبُ عليه السلام زوجته أن هذه مشيئة الله ، وعلينا أن نسلّم لأمره
حاول الشيطان اللعين أن ينال من قلب أيوب عليه السلام ، فأخذ يوسوس إليه من كل جانب قائلاً : ماذا فعلت يا أيوب حتى يموتَ أولادك وتصابَ فى أموالك ، ثم تصابَ فى صحتك
فاستعاذ أيوب عليه السلام بالله من الشيطان الرجيم .. وَتَفِلَ على الشيطان الرجيم ففرّ من أمامه . وكذلك فعلت زوجته وطردت وساوس الشيطان
وكان لا يزداد مع زيادة البلاء إلا صبرًا وطمأنينة
ويَئِس الشيطان من أيوب وزوجته الصابرين المحتسبين
فاتجه إلى أهل حوران ينفث فيهم الوساوس حتى جعلهم يعتقدون أن أيوب عليه السلام أذنب ذنباً كبيراً فحلّت به اللعنة
ونسج الناسُ الحكايات والقصص حول أيوب عليه السلام .. وتطور الأمرُ أكثر حتى ظنوا أن في بقائه خطرًا عليهم
وعقدوا العزم أن يخرجوا أيوبَ من أرضهم
وجاؤا إلى منزله .. لم يكن في منزله أحد سوى زوجته قائلين
نحن نظنّ أن اللعنة قد حلّت بك ونخاف أن تعمّ القرية كلها .. فاخرج من قريتنا واذهب بعيداً عنا نحن لا نريدك أن تبقى بيننا
غضبت زوجته من هذا الكلام قالت : نحن نعيش في منزلنا ولا يحق لكم أن تؤذوا نبيّ الله فى بيته وفي عقر داره
فردُّوا عليها بوقاحة : إذا لم تخرجا فسنخرجكما بالقوّة
لقد حلّت بكما اللعنة وستعمّ القرية كلها بسببكما
حاول أيوب عليه السلام أن يُفْهِمَ أهل القرية أن هذا امتحان وابتلاء من الله ، وأن الله يبتلي الأنبياء ابتلاءات شديدة حتى يكونوا مثلاً ونموذجًا لتعليم الناس
قالوا له : ولكنك عصيت الله وهو الذي غضب عليك
قالت زوجته : انتم تظلمون نبيكم!!
هل نسيتم إحسانَه إليكم هل نسيتم يا أهل حوران الكساء والطعام الذي كان يأتيكم من منزل أيوب ؟!
قال أيوب عليه السلام : يا رب إذا كانت هذه مشيئتك فسأخرج من القرية وأسكن في الصحراء . . يا رب سامح هؤلاء على جهلهم ... لو كانوا يعرفون الحق ما فعلوا ذلك بنبيهم
هكذا وصلت محنةُ أيوب عليه السلام، حيث جاء أهلُ حوران وأخرجوه من منزله
كانوا يظنّون أن اللعنة قد حلّت به ، فخافوا أن تشملهم أيضاً . نسوا كلّ إحسان أيوب وطيبته ورحمته بالفقراء والمساكين!!
لقد سوّل الشيطانُ لهم ذلك فاتّبعوه وتركوا أيوب يعاني آلام الوحدة والضعف والمرض .. لم يبق معه سوى زوجته الوفية .. وحدها كانت تؤمن بأن أيوب في محنة تشبه محنة الأنبياء وعليها أن تقف إلى جانبه ولا تتركه وحيداً
ضاقت الأحوالُ فمات الولدُ وجفَّ الخيرُ وتصالحت الأمراض والبلايا على جسمه ، فقعد لا يستطيع أن يكسب قوت يومه
وخرجت زوجته لتعمل في بيوت حوران، تخدم وتكدح في المنازل لقاء قوت يومهما
وكانت تستمدّ صبرها من صبر زوجها وتحمّله . وقد أعدت لأيوب عليه السلام عريشًا فى الصحراء يجلس فيه وكانت تخاف عليه من الوحوش والحيوانات الضالة، لكن لا حيلة لهما غير ذلك وظل الحال على ذلك أعواما عديدة وهما صابرين محتسبين
وفى يوم من الأيام
وبينما كانت الزوجة الصالحة خارج البيت
مرّ رجلان من أهل حوران – وكانا صديقين له قبل ذلك - توقفا عند أيوب عليه السلام ونظرا إليه، فرأوه على حالته السيئة من المرض والفقر والوحدة
فقال أحدهما : أأنت أيوب ! سيد الأرض!!
ماذا أذنبت لكي يفعل الله بك هذا ؟!
وقال الآخر : انك فعلت شيئاً كبيراً تستره عنا ، فعاقبك الله عليه
تألّم أيوب عليه السلام . إن الكثير يتهمونه بما هو بريء منه
قال أيوب عليه السلام بحزن : وعزّة ربي إنّه ليعلم ببراءتي من هذا
تعجّب الرجلان من صبر أيوب عليه السلام ، وانصرفا عنه في طريقهما وهما يفكّران في كلمات أيوب عليه السلام!!
أما زوجته الصالحة فقد بحثت عمّن يستخدمها في العمل ، ولكن الأبواب قد أُغلقت في وجهها . . ومع ذلك لم تمدّ يدها
لأحد وتحت ضغط الحاجة والفقر ، اضطرت أن تقصّ ضفيرتيها لتبيعهما مقابل رغيفين من الخبز
ثم عادت إلى زوجها وقدّمت له رغيف الخبز.. عندما رأى أيوب عليه السلام ما فعلت زوجته بنفسها شعر بالغضب
حلف أيوب عليه السلام أن يضربها على ذلك مائة ضربة، ولم يأكل رغيفه كان غاضباً من تصرّفها ، ما كان ينبغي لها أن تفعل ذلك ورغم أن زوجة أيوب عليه السلام طلبت منه كثيرا أن يدعوَ الله لكي يزيح عنه هذا البلاء الذى استمر هذه السنوات العديدة فكان يرفض أن يشكوَ إلى لله تعالى!!!
وتحمّل المرض والبلايا .. وتحمل اتهامات الناس
لكن بيع زوجته لضفيرتيها هَزّه من الداخل
فنظر إلى السماء وقال
يا ربّ إنّي مَسَّني الشّيطان بنصبٍ وعذاب
يا رب بيدك الخير كله والفضل كله وإليك يرجع الأمر كله
ولكن رحمتك سبقت كل شئ
فلا أشقى وأنا عبدك الضعيف بين يدك
يا ربّ .. مَسَّنى الضّر وأنتَ أرحم الرّاحمين
وهنا .... أضاء المكان بنور شفاف جميل وامتلأ الفضاء برائحة طيّبة، ورأى أيوب ملاكاً يهبط من السماء يسلم عليه ويقول:
نِعْمَ العبد أنتَ يا أيوب إنّ الله يقرِِؤك السّلام ويقول : لقد أُجيبت دعوتك وأن الله يعطيك أجر الصابرين
اضرب برجلك الأرض يا أيوب ! واغتسل في النبع البارد واشرب منه تبرأ بإذن الله
غاب الملاك ، وشعر أيوب بالنّور يضيء في قلبه فضرب بقدمه الأرض، فانبثق نبع بارد عذب المذاق .... ارتوى أيوب عليه السلام من الماء الطاهر وتدفقت دماء العافية في وجهه ، وغادره الضعف تماماً.
و بينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانا خَرَّ عليه رِجْلُ جَرَادٍ من ذهب فجعل يحثي في ثوبه . فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك.
خلع أيوبُ عليه السلام ثوب المرض والضعف وارتدى ثياباً تليق به ، يملؤها العافية والسؤدد
وشيئاً فشيئاً .. ازدهرت الأرض من حوله وأينعت
عادت الصحة والعافية .. عاد المال .. ودبّت الحياة من جديد
عادت الزوجة تبحث عن زوجها فلم تجده ووجدت رجلاً يفيض وجهه نعمة وصحة وعافية . فقالت له باستعطاف:
ـ ألم ترَ أيوب . . أيوب نبي الله ؟!
ـ أنا أيوب
ـ أنت ؟! إن زوجي شيخ ضعيف .. ومريض أيضاً!!
ـ المرض من الله والصحة أيضاً .. وهو سبحانه بيده كل شيء
ـ نعم .. لقد شاء الله أن يمنّ عليّ بالعافية وأن تنتهي محنتنا ! وأمرها أن تغتسل من النبع ، لكي تعود إليها نضارتها وشبابها
فاغتسلت في مياه النبع فألبسها الله ثوب الشباب والعافية
ورزقهما الله بنينا وبنات من جديد
ووفاء بنذر أيوب عليه السلام أن يضرب زوجته مائة ضربة أمره الله تعالى أن يأخذ ضغثا وهو ملء اليد من حشيش البهائم ، ثم يضربها به فيوفي يمينه و لا يؤلمها ، لأنها امرأة صالحة لا تستحق إلا الخير
وكان واحدًا من عباد الله الشاكرين فى الرخاء، الصابرين فى البلاء ، الأوَّابين إلى الله تعالى فى كل حال
وعَرِفَ الناسُ جميعًا قصةَ أيوب عليه السلام وأيقنوا أن المرض والصحة من الله وأن الفقر والثراء من الله.
( .... فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )
سورة الأعراف آية 176
وسجل الله قصته فى القرآن الكريم فقال تعالى:
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ
( سورة الأنبياء الآية : 83 و 84)
وقال تعالى:
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَامُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ *وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ*وَخُذْ
بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب *
( سورة ص الآية : 41 ـ 44)
عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ . إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ
إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَفَكَانَ خَيْرًا