تناول حبوب الحديد أحد أهم أسبابه .. اللافت في ما طرحته دراسة أميركية جديدة، ليس فقط تأكيد شيوع الاصابات بحالات الإمساك بين الحوامل، بل هو في تأكيدها على أن إمساك الحوامل لا علاقة له بقلة تناول الألياف الغذائية أو بعدم ممارسة الرياضة البدنية.
وتأتي هذه النتائج متوافقة مع دراسات سابقة أثارت شكوكاً حول مدى صحة اعتقاد الكثيرين، في الوسط الطبي وخارجه، أن تناول الألياف أو ممارسة الرياضة أحد الحلول المحتملة الفائدة في تخفيف أعراض الإمساك، خاصة النوع المزمن منه.
هذا، وتطرح الهيئات الطبية العديد من الحلول لمعالجة إمساك الحوامل أو الوقاية منه، إلا أن المشكلة لا تزال قائمة ومتكررة، ولا يزال الكثير منهن يعاني من الإمساك وتبعاته على الجوانب النفسية والصحية لهن أثناء فترة الحمل.
مدى الانتشار
أفادت الدكتورة كاثرين برادلي، الباحثة الرئيسة في الدراسة وطبيبة النساء والتوليد بجامعة أيوا، بأنه رغم الاعتقاد الواسع بأن الإمساك شيء شائع بين الحوامل، إلا أن القليل من الأبحاث تم إجراؤها لتحديد مدى انتشار الشكوى منه بينهن.
ووفق ما تم نشره في عدد ديسمبر من مجلة النساء والتوليد Journal Obstetrics & Gynecology ، تابع الباحثون أكثر من مائة امرأة منذ بداية حملهن.
وتبين بالجملة أن أكثر من 50% منهن عانين من الإمساك في احدى مراحل الحمل. وتحديداً، قال الباحثون ان 25% من الحوامل ذكرن إصابتهن بالإمساك خلال الثلث الأول من الحمل، وان 26% ذكرن إصابتهن بذلك خلال الثلث الثاني من فترة الحمل.
وانخفضت المعاناة من الإمساك بين الحوامل في الثلث الأخير من حملهن، لتصل نسبته بينهن الى حوالي 16%. ولم تنته المعاناة من الإمساك بمجرد الولادة، بل لاحظت الباحثة وزملاؤها أن 24% منهن ذكرن حصول الإمساك لديهن خلال الثلاثة الأشهر التالية للولادة، ما حدا بالباحثين للتأكيد على أن إرضاع الطفل أو أي عوامل مرتبطة بالتغيرات الصحية، في الجوانب البدنية والنفسية، للحوامل قد تكون سبباً في ذلك.
وحاول الباحثون التعمق في معرفة العوامل التي ترفع من احتمالات الإصابة بالإمساك بين الحوامل.
ووجدوا أن تناول حبوب الحديد يرفع من احتمالات المعاناة من الإمساك بمقدار 3.5 ضعف، مقارنة بالحوامل اللواتي لا يتناولنها.
كما أن وجود شكوى سابقة لدى المرأة من الإمساك وتلقي معالجات له في الفترة السابقة للحمل هو أيضاً عامل يرفع من احتمالات الإصابة بالإمساك أثناء الحمل بمقدار 3 أضعاف.
ولم يجد الباحثون أي علاقة مهمة بين الإصابة بالإمساك وممارسة المرأة للرياضة البدنية، ولا بين ذلك وكمية الألياف الغذائية التي تتناولها المرأة الحامل ضمن وجبات الطعام اليومية.
وهو ما يُؤكد النظرة الطبية اليوم إلى أن تناول الألياف أو ممارسة الرياضة البدنية أو الإكثار من تناول السوائل ليست وسائل ثابتة الفائدة في تخفيف حالة الإمساك.
وبالرغم من ملاحظة الباحثين أن 19% من الحوامل لديهن، في مرحلة ما من الحمل، أعراض تدل على وجود حالة القولون العصبي، إلا أن الباحثين لم يربطوا بين تلك الأعراض والشكوى من الإمساك. وطالبوا بإجراء مزيد من البحث في العلاقة بين القولون العصبي وحالة الإمساك لدى الحوامل.
الإمساك في الحمل
تحصل في مراحل الحمل تغيرات جسدية ونفسية وعلاجية، قد تُؤدي إلى نشوء مشكلة الإمساك في تلك الفترة وفي الفترة التي تليها أيضاً.
ومن المعلوم أن فترة الحمل تصطحبها اضطرابات هرمونية طبيعية، ومطلوب من هذه الهرمونات التي يزيد إفرازها في فترات الحمل، أن تعمل على تهيئة الجسم للحفاظ على الحمل وعلى تحمل عملية الولادة.
وتعمل الهرمونات الأنثوية على ارتخاء عضلات الجسم، ومنها العضلات الموجودة في الأمعاء، ما يُؤدي إلى بطء حركة الأمعاء في دفع ما تحتويه للخروج من الجسم.
كما أن نمو حجم الرحم وضغطه على الأمعاء المجاورة له قد يكونان سبباً في بعض حالات الإمساك، إلا أنه من المشكوك أن يكون هذا الأمر عاملاً قوياً في التسبب بمشكلة الإمساك.
وتنبع الشكوك هذه من عدم ارتفاع نسبة الشكوى من الإمساك في المراحل المتأخرة من الحمل، حيث يكون حجم الرحم أكبر، بالمقارنة مع الشكوى من الإمساك في أوائل الحمل أو أواسطه أو ما بعد الولادة.
ويبدو أن التغيرات الهرمونية والنفسية تثير مشكلة الإمساك لدى من سبقت لهن الشكوى منه، أو لدى منْ يُعانون بالأصل من مشكلة القولون العصبي. لكن مما تشير إليه المصادر الطبية، لا يبدو أن الحمل وما بعد الولادة، عوامل ترفع بذاتها من الإصابات بحالات القولون العصبي.
كما قالت الدكتور برادلي، فإن الغموض لا يزال يلف العلاقة بين إمساك الحوامل والقولون العصبي، ما يستدعي إجراء مزيد من الأبحاث حول الأمر.
وثمة من يشير إلى زيادة في نشاط امتصاص القولون للماء، ما يُؤدي إلى زيادة جفاف محتويات القولون، وصعوبة إخراجها.
ويبقى السبب الأهم حتى اليوم لحصول حالات الإمساك أثناء فترات الحمل هو تناول الحوامل لحبوب الحديد.
ومعلوم أن تناولهن هذه الحبوب المهمة جداً للوقاية من فقر الدم أو لمعالجته إن وُجد. ولذا تشير المصادر الطبية إلى جدوى اهتمام النساء عموماً بتناول المنتجات الغذائية الغنية بالحديد وبالحفاظ على مستوى جيد من نسبة هيموغلوبين الدم ومخزون الحديد في الجسم، تحسباً للحمل وللاستغناء آنذاك عن ضرورة تناول كميات عالية من الحديد طوال الحمل.
آلية تسبب حبوب الحديد بالإمساك.. لا تزال تحير الأطباء
تقول الدكتورة ماري بيكت، الطبيبة بجامعة هارفارد، إن من التعبيرات الساخرة، والمعبرة بشكل بالغ، لبعض المريضات قولهن: «أصبح بطني كتلة من الحديد بعد البدء بتناول حبوب الحديد»! ومن المعلوم جيداً أن تناول حبوب الحديد، أو المنتجات الغذائية المعززة صناعياً بالحديد، كحليب الأطفال، سبب مهم في حصول حالة الإمساك.
وتختلف نتائج الدراسات الطبية حول مدى انتشار هذه المشكلة، إذْ يقول بعضها ان النسبة تبلغ 10% وأخرى تتجاوز الأرقام فيها عتبة 20%.
والحقيقة الطبية حتى اليوم، أنه مما لا يزال مجهولاً تلك الآلية التي من خلالها يتسبب تناول حبوب الحديد في حصول حال من الإمساك، في حين لا تُوجد مؤشرات على أن تناول المنتجات الغذائية الطبيعية الغنية بالحديد، له دور في تلك المشكلة.
لكن المحاولات العلمية لتفسير ذلك تقول إن فهمنا وتصورنا لوجود معدن الحديد في الأمعاء قد يُسهل الأمر، ذلك أن الحديد معدن يحمل شحنات كهربائية وله سمات مغناطيسية، وعنصر نشط كيميائياً وقابل بسهولة للأكسدة.
وربما كل هذه الخصائص النشطة تعمل على التأثير في أعصاب وعضلات الأمعاء، ما يُبطئ من حركتها وقوة دفعها لما في قنواتها.
ويطرح الأطباء عدة حلول للتغلب على مشكلة الإمساك حال تناول حبوب الحديد. وبعض هذه الحلول قد يُفيد مرضى دون آخرين.
ومنها تناول شراب الحديد بدلاً من الحبوب، أو خفض الكمية التي يتناولها المرء منه يومياً. أو تناول أنوع حديد غلوكونيت، أو فررس غلوكونيت Ferrous Gluconate ، بدلاً من نوع كبريت الحديد، أو فررس سلفيت Ferrous Sulfate ، الشائع الاستخدام.
ومعلوم أن كمية من نوع غلوكونيت تحتوي تقريباً نصف كمية الحديد الموجودة في نفس الكمية من سلفيت وأن نوع غلوكونيت أقل تسبباً بالألم في المعدة أو الإمساك مقارنة بنوع سلفيت.
الا أن المصادر الطبية لا تنصح باللجوء إلى تناول حبوب بعد الأكل أو تناول أنواع بطيئة التحرر من حبوبها، لأن كليهما وإن كانا أقل تسبباً بالإمساك إلا أنهما أقل فائدة للجسم، ما يعني طول أمد تناول حبوب الحديد لعلاج المشكلة في الدم