مقدمة
لا تصل أشعة الشمس التى تسقط على الغلاف الجوى كلها إلى سطح الأرض، إذ ينعكس حوال 25% من هذه الأشعة إلى الفضاء، ويمتص حوالى 23% أخرى فى الغلاف الجوى نفسه . وهذا معناه أن 52% فقط من أشعة الشمس تخترق الغلاف الجوى لتـــصل إلى سطح الأرض . ومن هذه النسبة الأخيرة نجد أن 6% ينعكس عائدا إلى الفضاء، بينما يمتص الباقى ( 46% ) فى سطح الأرض ومياه البحار ليدفئها . وتشع هذه الأسطح الدافئة بدورها الطاقة الحرارية التى إكتسبتها على شكل أشعة تحت حمراء ذات موجات طويلة . ونظرا لأن الهواء يحتوى على بعض الغازات بتركيزات شحيحة ( مثل ثانى أكسيد الكربون والميثان وبخار الماء )، من خواصها عدم السماح بنفاذ الأشعة تحت الحمراء، فأن هذا يؤدى إلى إحتباس هذه الأشعة داخل الغلاف الجوى . وتعرف هذه الظاهرة بإسم " الإحتباس الحرارى " أو الأثر الصوبى ولولاه لإنخفضت درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 33 درجة مئوية عن مستواها الحالى - أى هبطت إلى دون نقطة تجمد المياه - ولأصبحت الحياة على سطح الأرض مستحيلة.
ويعد غاز ثانى أكسيد الكربون هو غاز الإحتباس الحرارى الرئيسى . وتتوقف تركيزاته فى الهواء على الكميات المنبعثة من نشاطات الإنسان خاصة من إحتراق الوقود الحفرى (الفحم والبترول والغاز الطبيعى) ومن إزالة النباتات، خاصة الغابات الإستوائية التى تعتبر مخزنا هائلا للكربون . كما تتوقف تركيزات ثانى أكسيد الكربون فى الهواء على معدلات إزالته وإمتصاصه فى البحار وفى الغطاء النباتى على سطح الأرض فيما يعرف بالدورة الجيوكيميائية للكربون - والتى تحدث توازنا فى تركيزات الكربون فى الهواء. ولقد أوضحت الدراسات المختلفة أن هذا التوازن قد إختل نتيجة لنشاط الإنسان المتزايد. ففى عصر ما قبل الصناعة (عام 1750 - 1800 ) كان تركيز غاز ثانى أكسيد الكربون فى الهواء حوالى 280 جزءا فى المليون حجما . أما الآن فيقدر هذا التركيز بنحو 360 جزءا فى المليون.
وتقدر كمية ثانى اكسيد الكربون التى انبعثت فى الغلاف الجوى فى العالم عام 1900 بحوالى 1960 مليون طن ، ارتفعت الى 5961 مليون طن فى عام 1950 ثم الى 16902 مليون طن فى 1975 ووصلت الى 22800 مليون طن فى 1998. وتوضح هذه الأرقام الزيادة الكبيرة فى معدلات انبعاث ثانى اكسيد الكربون منتذ منتصف القرن الماضى. وتعتبر الدول المتقدمة مسئولة عن حوالى 50% من اجمالى انبعاثات ثانى اكسيد الكربون، والولايات المتحدة الأمريكية وحدها مسئولة عن حوالى 23% من اجمالى الانبعاثات فى العالم تليها الصين (14.8%) ودول الاتحاد الأوروبى (7.3%) وروسيا (7%) واليابان (5%).
وبالإضافة إلى غاز ثانى أكسيد الكربون، هناك عدة غازات أخرى لها خصائص الإحتباس الحرارى وأهم هذه الغازات هى الميثان الذى يتكون من تفاعلات ميكروبية فى حقول الأرز وتربية الحيوانات المجترة ومن حرق الكتلة الحيوية (الأشجار والنباتات ومخلفات الحيوانات). وبالإضافة إلى الميثان هناك غاز أكسيد النيتروز (يتكون أيضا من تفاعلات ميكروبية تحدث فى المياه والتربة ) ومجموعة غازات الكلوروفلوروكربون (التى تتسبب فى تآكل طبقة الأوزون ) وأخيرا غاز الأوزون الذى يتكون فى طبقات الجو السفلى .
وحيث أنه من المتعذر إجراء دراسة مباشرة للتأثير الناجم عن تراكم غازات الإحتباس الحرارى فى الغلاف الجوى، فقد وضعت خلال العقدين الماضيين طائفة من النماذج الرياضية للتنبؤ بما قد يحدث . ولقد أوضحت هذه النماذج أنه لو تضاعفت تركيزات غاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى عن معدلها فى عصر ما قبل الصناعة فإن هذا سيؤدى إلى رفع درجة الحرارة على سطح الأرض بمتوسط يتراوح بين 1.5 – 4.5 درجة مئوية خلال المائة عام القادمة. ولقد بينت تقارير الفريق الحكومى المعنى بتغير المناخ (IPCC ) والتى صدرت كل خمسة اعوام منذ 1990 ، أنه إذا إستمر إنبعاث غازات الإحتباس الحرارى بمعدلاتها الحالية فمن المحتمل أن ترتفع درجة حرارة العالم من 1.5 الى 6 درجات مئوية فى غضون المائة سنة القادمة (الإحتمال الأكبر هو 3 درجات مئوية).
وقد جرى التنبه إلى حدوث ظاهرة الاحترار العالمى من خلال مقارنة التسجيلات السابقة لدرجات حرارة سطح الأرض والغلاف الجوى ، حيث بدأ تسجيل هذه القراءات علمياً منذ عام 1860 وبمقارنة هذه التسجيلات بدرجات الحرارة الحالية ، مع ربط ذلك بظواهر أخرى مثل تقلص حجم الغابات ، وزيادة عدد موجات الأيام الحارة وأيام المطر الشديد ، فقد تكون اقتناع، من كل ذلك، بأن هناك تغير فى المناخ فى اتجاه الاحترار العالمى، عززته حقيقة ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الأرض بنحو 0.3 الى 0.6 درجة مئوية مقارنة بعام 1860 . ولكن هناك بعض العلماء يرون أن هذه الزيادة هى فى حدود التغيرات الطبيعية التى تحدث للمناخ، وبذا لا يمكن إعتبارها زيادة حقيقية خاصة وأن التحليل المفصل لدرجات الحرارة خلال المائة سنة الأخيرة يوضح أنه كانت هناك فترات إنخفضت فيها الحرارة عن معدلاتها (من 1950 - 1960 ومن 1965 - 1975 مثلا) .
تداعيات الإحترار العالمى
تتوافر اليوم أدلة توضح أن إرتفاع درجة حرارة الجو وما سيصحبه من تغيرات مناخية سيكون له أثر كبير على النظم البيئية على سطح الأرض، يرى البعض أنها قد تكون مفيدة ويرى البعض الآخر أنها ستكون ضارة . فمثلا بينما قد تزيد إنتاجية بعض الغابات والمحاصيل فإن البعض الآخر قد تتدهور إنتاجيته . كذلك بينما قد تزيد الأمطار ( وبذلك مصادر المياه ) فى بعض المناطق فى العالم فإنها قد تشح فى بعض المناطق الأخرى - خاصة فى المناطق القاحلة وشبة القاحلة - مسببة مشاكل كبيرة فى موارد المياه .
بالإضافة إلى ذلك يقول البعض أن إرتفاع درجات الحرارة فى العالم سيعجل بإرتفاع سطح البحر ( حوالى 20 سم بحلول عام 2030 و 65 سم فى نهاية القرن ) وأن هذا الإرتفاع سيغرق بعض الجزر المنخفضة والمناطق الساحلية وسيؤدى إلى تشريد الملايين من البشر وإلى خسائر إقتصادية وإجتماعية فادحة . ففى الهند مثلا قدر أن حوالى 5700 كيلومتر مربع من المناطق الساحلية سوف تتعرض للغرق مما سيؤدى إلى هجرة 7.1 مليون شخص وإلى خسائر مادية قدرت بحوالى 50 بليون دولار. وفى فيتنام قدرت الخسائر التى قد تنجم عن إرتفاع سطح البحر بحلول عام 2070 بحوالى 2 بليون دولار. فى حين أن البعض الآخر يقول أن ما سيحدث هو إنخفاض فى سطح البحر وإحتمال لعصر جليدى جديد.
ويوضح الفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ فى تقريره الأخير ان التغيرات المناخية المحتملة ستختلف فى تداعياتها من قارة الى أخرى ، ومن منطقة الى أخرى داخل نفس القارة. والإتجاهات الرئيسية لهذه التداعيات هى كالتالى.
فى أفريقيا :
يتوقع زيادة ظاهرة الجفاف فى القارة بصورة عامة ، وفى الجزء الجنوبى الشرقى منها بصورة خاصة، مصحوبا بظاهرة التقلبات الجوية المعروفة باسم ألإنزو ENSO ، بينما تزداد معدلات سقوط الأمطار على الجبال العالية فى شرق أفريقيا وفى الجزء الأوسط الواقع على خط الاستواء من القارة . ونتيجة للزيادة فى عدد السكان سوف تتعرض الغابات لمزيد من الإزالة لاستخدام الأرض فى الزراعة او التوسع العمرانى ، فى حين ان ارتفاع درجة حرارة الجو سيؤدى الى تغيير أنماط النماذج الإحيائية للنباتات والحيوانات، وكل هذا سوف تكون له تداعيات سلبية على التنوع البيولوجى فى القارة الأفريقية. اما فى المناطق الساحلية فسوف يؤدى ارتفاع مستوى سطح البحر الى غمر اجزاء كبيرة من المناطق الساحلية المنخفضة فى شمال أفريقيا، وخاصة شمال دلتا النيل، وفى الجزء الأوسط من غرب أفريقيا. وسينتج عن هذا فقدان مساحات من الأراضى الزراعية والمنشآت المختلفة ، كما سيؤدى ايضا الى التأثير على انتاجية الأراضى الزراعية المجاورة، لزيادة ارتفاع منسوب المياه المالحة. ومن المتوقع ان تؤدى التغيرات المناخية فى القارة الأفريقية الى زيادة وتغير انماط هجرة السكان تجنبا لما سيحدث من جفاف واخطار اخرى، وسوف يترتب على هذا إندفاع التجمعات البشرية إلى هجرات عن أماكنها المعتادة، بما ينشأ عنه نماذج اجتماعية لم تكن معتادة وبالتالى تتغير أنماط الاستيطان والسياحة والصناعة والنقل والصحة وما يتبع ذلك.
فى غرب آسيا والشرق الأوسط :
من المتوقع أن تظل المنطقة فى عمومها قاحلة قليلة الأمطار. اما بالنسبة لبعض المناطق الساحلية المرتفعة فسيزداد معدل الأمطار عليها قليلا مع ارتفاع فى درجة الحرارة والبخر بصفة عامة.
فى أوربـــا:
من المتوقع أن يزداد معدل سقوط الأمطار شمال وغرب أوروبا مع احتمالات حدوث فيضانات ، أما جنوب القارة وشرقها، فسوف يتعرضان لقلة سقوط الأمطار مع احتمالات الجفاف فى بعض المناطق. وسوف يؤدى الارتفاع العام فى درجة الحرارة، وارتفاع مستوى البحر إلى غرق الأجزاء الساحلية المنخفضة خاصة فى غرب أوروبا وشمالها مع التعرض لموجات حارة تؤثر على الزراعات ومعدلات إنتاج المحاصيل.
فى استراليا ونيوزيلانده:
من المتوقع أن تنخفض معدلات ومدة سقوط الثلوج فى المناطق المعرضة ولذلك سوف تزداد معدلات سقوط الأمطار فى أماكن سقوطها الحالية، بما يشكل احتمالات حدوث فيضانات فى بعض المناطق، كما سوف تتعرض المناطق الساحلية المنخفضة للتآكل.
فى القطبين الشمالى والجنوبى:
سوف يتقلص الغطاء الثلجى للقطبين الشمالى والجنوبى بنحو 150-550 كم، حيث تجد الثلوج الذائبة طريقها إلى البحر ليرتفع مستواه بنحو 15-95سم، بما يستتبعه تغير الأنماط الأحيائية فى هذه الأقطاب والبحار عما اعتادت عليه آلاف السنين من قبل.
الجهود الدولية للحد من تغير المناخ
اهتم برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة الدولية للأرصاد الجوية بقضية التغيرات المناخية المحتملة نتيجة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى منذ منتصف الثمانينات ، وتم تشكيل الفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ (IPCC ) لاعداد دراسات دورية عن قضية التغيرات المناخية بكافة ابعادها.
وفى ضوء هذه الدراسات ، وغيرها، وكإجراء وقائى تم التوقيع أثناء مؤتمر قمة الأرض فى ريودى جانيرو 1992 على معاهدة المناخ الدولية التى بمقتضاها تعمل الدول - إختياريا - على خفض إنبعاث غازات الإحتباس الحرارى، خاصة ثانى أكسيد الكربون، بحلول عام 2000، إلى مستويات عام 1990. وفى عام 1997 تم توقيع بروتوكول كيوتو، وبمقتضاه تعهدت 38 دولة والاتحاد الأوروبى بخفض الانبعاثات الكلية لغازات الاحتباس الحرارى منها، مجتمعة، بنسبة 5% على الأقل عن مستويات انبعاثات عام 1990 وذلك بحلول 2008-2012 (فترة الالتزام المقررة فى البروتوكول). كذلك نص بروتوكول كيوتو على ان كل دولة متقدمة ستقوم بمساعدة دولة نامية او اكثر على خفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحرارى، سيحسب لصالحها نسبة التخفيض التى ستتحقق.
.