إنا كفيناك المستهزئين
قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -:" إحفظ الله يحفظك "، والرسول هو قدوتنا في ذلك، فهو أكثر شخص حفظ
الله، كان قرآناً يمشى على الأرض، فتولى الله حفظه منذ صغره، وفى شبابه قبل
البعثة، وحتى مماته، وهيئه لتلقى الرسالة، وكان معه يسمع ويرى طوال سنوات
الدعوة الثلاث والعشرين، حفظه ليحفظ به الرسالة الخالدة، فهو ليس شخص عادي
إنما هو رسول رب العالمين، وسنرى حفظه له في طفولته وفى شبابه وفى جميع
مراحل الدعوة، كفاه شر المستهزئين بقرآن يتلى إلى يوم القيامة يظهر ما
كانوا يخفون ويبطل ما كانوا يظهرون من سخرية واستهزاء به وبدعوته، وكما قال
الله - تعالى -: ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم) ترى من يتولى الله نصرته
والدفاع عنه من يملك له إيذاء، فإن كان ما حدث في الدنمارك، وبعض الدول
الأوربية من إساءة أقلام الجهال به وبسيرته العطرة، فذلك لأنهم لا يعرفونه
جيداً، وعلينا أن نعرفهم ببعض معاملاته وخصاله لعلهم يتذكرون.
كيف - حفظه الله - في طفولته
نرى ذلك في حادثة شق الصدر:
أخبرنا عن هذه الحادثة أنس بن مالك - رضي الله
عنه- قال: " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أتاه جبريل وهو يلعب مع
الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة،
فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم، ثم
لأَمَه أي جمعه وضم بعضه إلى بعض ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون
إلى أمه يعنى ظئره، فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو مُنْتَقِعُ
اللون أي متغير اللون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره".
رواه مسلم في صحيحه
وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى
أمه، حفظه من الشيطان ومن أحقاده ووساوسه، ومن إغواءاته وهو صغير حتى لا
ينتصر لنفسه يوم أو يقع في معصية حاشاه الله؛ لأنه معلم الأمة وقدوتها،
ودرس لنا أن من حفظ الله استطاع أن يتغلب على شيطانه ويقهره، ولا يجعل له
حظ عليه.
كيف حفظ الله نبيه الكريم في شبابه:
عن على -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - يقول: (( ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون
به من الغناء إلا ليلتين عصمني الله منهما، قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن
في رعاية غنم أهلنا فقلت لصاحبي: أبصر غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما
يسمر الفتيان، فقال: بلى، فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفاً
وغرابيل ومزامير. قلت: ما هذا، قيل: تزوج فلان فلانة، فجلست أنظر، وضرب
الله على أذني، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال: ما
فعلت، فقلت: ما فعلت شيئاً، ثم أخبرته بالذي رأيت، ثم قال له ليلة أخرى:
أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة، ففعل فدخلت فلما جئت مكة سمعت مثلما سمعت تلك
الليلة، وجلست أنظر فضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس
فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت، قلت: لا شيء، فأخبرته بما رأيت فوالله ما
هممت ولا عدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني الله بنبوته))، وعن علي -رضي
الله عنه- قال: "قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل عبدت وثناً قط؟ قال:
(( لا، قالوا: فهل شربت خمراً قط؟ قال: لا ومازلت أعرف أن الذي هم عليه
كفر)) كان هذا قبل النبوة، حفظ الله رسوله من سماع الغناء؛ لأنه لا يحق
لصاحب رسالة أن يلهو ما من يلهو ويلغو ما من يلغو وحفظ عقله من الضياع؛
لأنه خلق؛ ليستعمله لا ليغيبه، فهل تعتقد أنك صاحب رسالة، أم أنك خلقت
لتلهو وتعبث في الحياة؟.
تلك كانت أخلاقه الكريمة - صلى الله عليه وسلم -،
استقامة من قبل الوحي، حتى بدون معرفة بالدين، إنها استقامة الفطرة،
الرجولة الكاملة، الشباب وقد استخدم خلقه، وعقله، وهذا موقف أيضاً لحفظ
الله لنبيه وهو غلام، لقاء الراهب بحيرا بالرسول - صلى الله عليه وسلم -
وهو غلام:
«خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي - صلى
الله عليه وسلم - في أشياخ من قريش فلما أشرفوا(27) على الراهب هبطوا فحلوا
رحالهم(28) فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يسيرون، فلا يخرج إليهم ولا
يلتفت. قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب(29) حتى جاء فأخذ بيد
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب
العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال:
إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرَّ ساجدًا، ولا
يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة.
ثم رجع فصنع لهم طعاماً، فلما أتاهم به، وكان هو
في رعية الإبل قال: أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم
وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال:
انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه.
قال: فبينما هو قائم عليهم، وهو يناشدهم أن لا
يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت فإذا
سبعة قد أقبلوا من الروم، فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جاءنا أن
هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس، وإنا قد
أخبرنا خبره، بعثنا إلى طريقك هذا، فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم؟
قالوا: إنما اخترنا خيره لك لطريقك هذا، قال:
أفرأيتم أمرًا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا.
قال: فبايعوه وأقاموا معه.
قال: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب."
رحلة الإسراء والمعراج، واستمرار حفظ الله للنبي:
مهد الله لرحلة الإسراء والمعراج العظيمة بشقِّ
صدر النبي، حيث قال أنس بن مالكٍ عن مالك بن صعصعة -رضي الله عنهما- أنَّ
نبيَّ اللَّه قال: (( بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ -وَرُبَّمَا قَالَ:
فِي الْحِجْرِ- مُضْطَجِعًا، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ -قَالَ:
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ- مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ -فَقُلْتُ
لِلْجَارُودِ وَهْوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ
ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ
إِلَى شِعْرَتِهِ- فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ
ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ)) ثم وقع
شقُّ الصدر عند إرادة العروج إلى السماء؛ ليتأهَّب للمناجاة، ويُحْتَمَل أن
تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرَّة الثالثة
كما تقرَّر في شرعه، ويُحتمل أن تكون الحكمة في انفراج سقف بيته الإشارة
إلى ما سيقع من شقِّ صدره، وأنه سيلتئم بغير معالجة يتضرَّر بها.
كيف - حفظه الله – بعد الهجرة إلى المدينة
حدثنا يحيى قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة
يحدث: أن عائشة كانت تحدث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهر ذات
ليلة، وهي إلى جنبه، قالت: فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: (( ليت رجلاً
صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة؟ قالت: فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت
السلاح فقال: من هذا؟ فقال: أنا سعد بن مالك، فقال: ما جاء بك؟ قال: جئت
لأحرسك يا رسول الله، قالت: فسمعت غطيط رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
في نومه)). أخرجاه في الصحيحين.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي -
صلى الله عليه وسلم - يحرس حتى نزلت هذه الآية: (والله يعصمك من الناس)
قالت: فأخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه من القبة، وقال: (( يا أيها
الناس، انصرفوا فقد عصمني الله - عز وجل -)).
ومن عصمة الله -عز وجل- لرسوله حفظه له من أهل
مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضة ونصب
المحاربة له ليلاً ونهاراً، بما يخلقه الله - تعالى -من الأسباب العظيمة
بقدره وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب؛ إذ كان
رئيساً مطاعاً كبيراً في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله -
صلى الله عليه وسلم - لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها،
ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات
أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرا، ثم قيض الله - عز وجل - له الأنصار
فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم - وهي المدينة فلما صار
إليها حموه من الأحمر والأسود، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء
كاده الله ورد كيده عليه
قصة الشاة المسمومة التي أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - في خيبر: وكيف - حفظه الله – منها:
" لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
خيبر، وقتل من قتل منهم، أهدت زينب بنت الحارث اليهودية - وهي ابنة أخي
مرحب - لصفية شاة مصليَّةً وسمَّتها وأكثرت في الكتف والذراع؛ لأنه بلغها
أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني
سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
الكتف وانتهش منها، وتناول بشر بن البراء عظماً فانتهش منه، فلما استرط
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ارفعوا أيديكم، فإن كتف هذه
الشاة يخبرني أن قد بُغِيتُ فيها)) فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك لقد
وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت، فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك
طعامك، فلما أسغت ما في فيك، لم أكن أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون
استرطتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه مثل الطيلسان،
وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلى ما حول"
لما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم، وأنزل
عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة
بخيبر أعلمه الله به وحماه [الله] منه:
ونتذكر قول الله - تعالى -: ( إن يمسسك الله بضر
فلا كاشف له إلا هو وإن يردك يخير فلا راد لفضله)، قال - تعالى -: ( وإن
تتقوا وتصبروا لن يضركم كيدهم شيئاً).
عناية الله - سبحانه وتعالى - بالنبي في رحلة الهجرة:
عندما أحاط المشركون بالغار، وأصبح منهم رأي
العين طمأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصديق بمعية الله لهما، فعن أبي
بكر الصديق قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في الغار: لو أن
أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: (( ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله
ثالثهما)) (25)".
وفي رواية: (( اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما)).
وسجل الحق - عز وجل - ذلك في قوله - تعالى -:
(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ
سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ
كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا
وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 40].
قصة سراقة بن مالك وهو يلاحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أعلنت قريش في نوادي مكة بأنه من يأتي بالنبي -
صلى الله عليه وسلم - حيًّا أو ميتًا، فله مائة ناقة، وانتشر هذا الخبر عند
قبائل الأعراب الذين في ضواحي مكة، وطمع سراقة بن مالك بن جعشم في نيل
الكسب الذي أعدته قريش لمن يأتي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأجهد
نفسه لينال ذلك، ولكن الله بقدرته التي لا يغلبها غالب، جعله يرجع مدافعًا
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما كان جاهداً عليه.
قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن مالك
المدلجي، وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جُعشم، أن أباه أخبره، أنه سمع
سراقة بن جعشم يقول: جاءنا رُسُل كفار قريش يجعلون في رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -، وأبي بكر، دية كل منها لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في
مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس،
فقال: يا سراقة إني رأيت آنفا أَسْوِدة بالساحل أُراها محمداً وأصحابه، قال
سراقة: فعرفت أنهم هم: فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلاناً
وفلاناً انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت
جاريتي أن تخرج بفرسي، وهى من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به
من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عالية حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها
تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى
كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها، أضرهم أم لا، فخرج الذي أكره،
فركبت فرسي، وعصيت الأزلام؛ تُقَرّب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي
في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضتْ فلم تكد تخرج
يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان،
فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى
جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم، أن سيظهر أمر رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية،
وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني
ولم يسألاني، إلا أن قال: (( أخف عنا))، فسألته أن يكتب لي في كتاب آمن،
فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم، ثم مضى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -.
وكان مما اشتهر عند الناس من أمر سراقة ما ذكره
ابن عبد البر، وابن حجر وغيرهما، قال ابن عبد البر: روى سفيان بن عيينة عن
أبي موسى عن الحسن، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لسراقة بن
مالك: (( كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟)) قال: فلما أُتى عمر بسواري كسرى
ومنطقته وتاجه، دعا سراقة بن مالك فألبسه إياها، وكان سراقة رجلاً أزب كثير
شعر الساعدين، وقال له: ارفع يديك فقال: الله أكبر، الحمد لله الذي سلبهما
كسرى بن هرمز الذي كان يقول: أنا رب الناس، وألبسهما سراقة بن مالك بن
جعشم أعرابياًّ من بني مدلج، ورفع بها عمر صوته، ثم أركب سراقة، وطيف به
المدينة، والناس حوله، وهو يرفع عقيرته مردداً قول الفاروق: الله أكبر،
الحمد الله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابياًّ من
بني مدلج
سبحان مقلب القلوب:
كان سراقة في بداية أمره يريد القبض على رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، ويسلمه لزعماء مكة لينال مائة ناقة، وإذا
بالأمور تنقلب رأساً على عقب، ويصبح يرد الطلب عن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فجعل لا يلقى أحداً من الطلب إلا رده قائلاً: كفيتم هذا الوجه،
وهكذا كان حفظ الله لنبيه حتى أدى رسالته ودعوته وحفظه لكل مسلم صاحب
رسالة يكفيه ويؤيه ويكون له ولياً ونصيراً، وصدق رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - حين قال عن رب العزة: (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) تخيل
الله في سمعك وفي بصرك ومعك أينما كنت، فمن عليك إذا كان الله معك، ولكن
ذلك يتطلب طاعته، والإتمار بأوامره، والسير على نهج نبيه.
المصدر :مختار الاسلامي