على أبواب يافا يا أحبائي *وفي فوضى حطام الدور .
بين الردمِ والشوكِ * وقفتُ وقلتُ للعينين :
قفا نبكِ * على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار * وتنعى من بناها الدار
وأنّ القلبُ منسحقاً * وقال القلب : ما فعلتْ ؟
بكِ الأيام يا دارُ ؟ * وأين القاطنون هنا
وهل جاءتك بعد النأي ، هل جاءتك أخبارُ ؟ *هنا كانوا
هنا حلموا * هنا رسموا
مشاريع الغدِ الآتي *فأين الحلم والآتي وأين همو
وأين همو؟ * ولم ينطق حطام الدار
ولم ينطق هناك سوى غيابهمو *وصمت الصَّمتِ ، والهجران
وكان هناك جمعُ البوم والأشباح *غريب الوجه واليد واللسان وكان
يحوّم في حواشيها * يمدُّ أصوله فيها
وكان الآمر الناهي * وكان.. وكان..
وغصّ القلب بالأحزان * أحبائي
مسحتُ عن الجفون ضبابة الدمعِ *الرماديهْلألقاكم وفي عينيَّ نور الحب والإيمان
بكم، بالأرض ، بالإنسان *فواخجلي لو أني جئت القاكم –
وجفني راعشٌ مبلول * وقلبي يائسٌ مخذول
وها أنا يا أحبائي هنا معكم *لأقبس منكمو جمره
لآخذ يا مصابيح الدجى من *زيتكم قطره لمصباحي ؛
وها أنا أحبائي * إلى يدكم أمدُّ يدي
وعند رؤوسكم ألقي هنا رأسي *وأرفع جبهتي معكم إِلى الشمسِ
وها أنتم كصخر جبالنا قوَّه *كزهر بلادنا الحلوه
فكيف الجرح يسحقني ؟ *وكيف اليأس يسحقني ؟
وكيف أمامكم أبكي ؟ *يميناً ، بعد هذا اليوم لن أبكي !
أحبائي حصان الشعب جاوزَ – * كبوة الأمسِ
وهبَّ الشهمُ منتفضاً وراء النهرْ *أصيخوا ، ها حصان الشعبِ –
يصهلُ واثق النّهمه *ويفلت من حصار النحس والعتمه
ويعدو نحو مرفأه على الشمسِ *وتلك مواكب الفرسان ملتمَّه
تباركه وتفديه *ومن ذوب العقيق ومنْ
دم المرجان تسقيهِ *ومن أشلائها علفاً
وفير الفيض تعطيهِ *وتهتف بالحصان الحرّ : عدوا يا –
حصان الشعبْ *فأنت الرمز والبيرق
ونحن وراءك الفيلق *ولن يرتدَّ فينا المدُّ والغليانُ – والغضبُ
ولن ينداح في الميدان *فوق جباهنا التعبُ
ولن نرتاح ، لن نرتاح *حتى نطرد الأشباح
والغربان والظلمه *أحبائي مصابيحَ الدجى ، يا اخوتي
في الجرحْ *... ويا سرَّ الخميرة يا بذار القمحْ
يموت هنا ليعطينا *ويعطينا
ويعطينا *على طُرقُاتكم أمضي
وأزرع مثلكم قدميَّ في وطني * وفي أرضي
وأزرع مثلكم عينيَّ *في درب السَّنى والشمسْ
(خريف ومساء)
ها هي الروضة قد عاثت بها أيدي الخريف
عصفت بالسَجف الخضر وألوت بالرفيف
تعس الإعصار ، كم جار على اشراقها
جرَدتها كفَه الرعناء من أوراقها
عريت ، لا زهر ، لا أفياء ، لا همس حفيف
*
ها هي الريح مضت تحسر عن وجه الشتاءِ
وعروق النور آلت لضمورٍ وانطفاء !
الفضاء الخالد اربدَ وغشَاه السحابُ
وبنفسي ، مثله ، يجثم غيم وضباب
وظلالٌ عكستها فيَ أشباح المساء !
*
وأنا في شرفتي ، أصغي الى اللحن الأخير
وقَعته في وداع النور أجواق الطيور
فيثير اللحن في نفسي غمَا واكتئابا
ويشيع اللحن في روحي ارتباكا واضطرابا
أي أصداء له تصدم أغوار شعوري !
*
الخريف الجهم ، والريح ، وأشجان الغروب
ووداع الطير للنور وللروض الكئيب
كلها تمثل في نفسي رمزاً لانتهائي !
رمز عمرٍ يتهاوى غاربا نحو الفناء
فترةً ، ثم تلفّ العمر ، أستار المغيب
*
سيعود الروض للنضرة والخصب السّريّ
سيعود النور رفّافاً مع الفجر الطّريّ
غير أني حينما أذوي وتذوي زهراتي
غير أني حينما يخبو غداً نور حياتي
كيف بعثي من ذبولي وانطفائي الأبديّ ؟!
*
آه يا موت ! ترى ما أنت ؟ قاس أم حنون
أبشوش أنت أم جهمٌ ؟ وفيٌّ أم خؤون ؟!
يا ترى من أي آفاق ستنقضّ عليّه؟
يا ترى ما كنه كأسٍ سوف تزجيها !!
قل ، أبن ، ما لونها ؟ ما طعمها ؟ كيف تكون ؟
*
ذاك جسمي تأكل الأيم منه والليّالي
وغداً تلقى الى القبر بقاياه الغوالي
وي ! كأني ألمح الدود وقد غشّى رفاتي
ساعياً فوق حطام كان يوما بعض ذاتي
عائثاً في الهيكل الناخر ، يا تعس مآلي !
*
كلّه يأكل ، لا يشبع ، من جسمي المذاب
من جفوني ، من شغافي ، من عروقي ، من غهابي
وأنا في ضجعتي الكبرى ، وحضن الارض مهدي
لا شعورٌ ، لا انفعالات ، ولا نبضات وجد
جثّة تنحل في صمتٍ ، لتنفى في التراب
*
ليت شعري ، ما مصير الروح ، والجسم هباء ؟!
أتراها سوف تبلى ويلاشيها الفناء ؟
أم تراها سوف تنجو من دياجير العدم . .
حيث تمضي حرّةً خالدةً عبر السُدم . .
ساط النور مرغاها ، ومأواها السماء ؟!
*
عجباً ، ما قصة البعث وما لغز الخلود ؟
هل تعود الروح للجسم الملقّى في اللحود ؟
ذلك الجسم الذي كان لها يوما حجابا !
ذلك الجسم الذي في الأرض قد حال ترابا !
أو تهوى الروح بعد العتق عودا للقيود ؟!
*
حيرةٌ حائرةٌ كم خالطت ظنّي وهجسي
عكست ألوانها السود على فكري وحسّي
كم تطلعت ؛ وكم ساءلت : من أين ابتدائي؟
ولكم ناديت بالغيب : الى أين انتهائي؟
قلقٌ شوَش في نفسي طمأنينة نفسي!