بسم الله الرحمن الريحم
قالت لي: (في شهر رمضان أريد أن أتفرغ للعبادة، وأستغل كل الوقت للتزود من الطاعات, ولكني في حقيقة الأمر أجد نفسي في مشاكل كثيرة, تتكاثر علينا الأعباء المنزلية، والوقوف في المطبخ, وعمل أنواع مختلفة من الأطعمة والمشروبات، ثم تأتي العزومات والزيارات، وما أدراك ما العزومات والزيارات! ويضيع الوقت والجهد، وقد لا أستطيع المواظبة على صلاة القيام وقراءة الورد اليومي من القرآن. وهناك أمر آخر، هو أنني أهمل زينتي في رمضان, وتنقطع العلاقة الزوجية بسبب الأعمال والأعباء وضيق الوقت). انتهى كلامها.
أختي المرأة المسلمة، هذا هو حال أغلب النساء في رمضان إلا من رحم ربي، وها نحن نقدم لكِ حلولاً عملية لمواجهة المشاكل المتوقع حدوثها في رمضان؛ ليتوفر لكِ الوقت والجهد في رمضان للتفرغ للعبادة والطاعة. ونقف هنا ونتساءل: ما المشكلات التي تواجه المرأة المسلمة المتزوجة في رمضان؟
وقد جمعناها لكِ أختي المسلمة في النقاط التالية:
1- الأكل والشرب وطغيانهما على الجانب الروحي، ويدخل في ذلك العزومات والزيارات بين الأهل والجيران والأصدقاء.
2- تضييع الأوقات وعدم استغلالها أحسن استغلال.
3- عدم التعاون مع الزوج على الطاعة.
4- انقطاع العلاقة الزوجية.
أولاً- الطعام والشراب والعزومات:
لماذا ارتبط شهر رمضان بالأطباق والوجبات والعصائر المختلفة؟ لماذا ارتبط بالكميات التي يستهلكها البيت من الأطعمة المختلفة عن أي شهر آخر؟
لماذا نأكل كثيرًا بعد الإفطار ونشرب ويؤثر هذا على الجانب الروحي ونصل إلى درجة النوم الكثير؟
لمَ ينفتح باب العزومات على مصراعيه حتى يصل إلى درجة أنه يعطلنا عن صلاة القيام في رمضان؟
أختي الزوجة المسلمة، إن شهر رمضان شهر ليس كباقي الشهور، إنه شهر تضاعف فيه الأعمال الصالحات، وتُفتح أبواب الخير ويكون الصوم فيه لله، وهو الذي يجزي به، وجزاء الله الغني المنعم المتفضل الوهاب أكبر وأشمل وأعم من أن يحيط به وصف: "كل عمل ابن آدم يُضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"[1].
شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله نافلة، شهر كله خير؛ فأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، شهر التنافس على الأعمال الصالحة، شهر يباهي الله بنا ملائكته.
أختي المرأة المسلمة، ومن آداب الصوم: أن لا يمتلئ من الطعام في الليل بل يأكل بمقدار الكفاية؛ فإنه "ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطنه"[2]، ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه في باقيه، وكذلك إذا شبع وقت السحر لم ينتفع إلى قريب من الظهر؛ لأن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور، ثم يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل؛ لأن المراد منه أن يذوق طعم الجوع، ويكون تاركًا للمشتهي.
أما عن إطعام الطعام وكثرة الزيارات والعزومات، فلا شك أن إطعام الطعام باب عظيم من أبواب الخير، قال: "إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها". قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "لمن أطعم الطعام، وأطاب الكلام، وصلى بالليل والناس نيام"[3].
ويقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"[4]. وقال : "من فطر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء"[5].
وإليكِ الآن الحلول العملية:
1- عدم الإسراف في الأكل والشرب، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]. وقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27].
2- على المرأة تجهيز بعض المأكولات والمشروبات قبل دخول شهر رمضان بوقت كاف وبدون إسراف، أعرف صديقة لي تشتري الخضار من شهر رجب وتنظفه وتحفظه في "الفريزر"؛ للاستعداد لرمضان واستغلال الوقت فيه.
3- يمكن الاستعانة بالخادمة أو آخرين من أهل المنزل للمساعدة في المطبخ وتوزيع الأعمال بينهم.
4- تنسيق الزيارات الرمضانية مع الأهل والجيران والأصدقاء على أن يراعى الفائدة والمتعة.
5- احتساب النية في إطعام الطعام وصلة الرحم وأعمال البر الأخرى, فيكون كل الوقت الذي تقضينه في المطبخ هو طاعة وفي سبيل الله.
وأعمال البر كثيرة؛ منها إفطار الصائمين ولو بتمرة، إدخال السرور على الفقراء والمساكين، صلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، وحسن الخلق مع الأهل والأصحاب والأزواج والذرية, وإسقاط الدَّيْن عمن لا يجد وأنت تقدر ولو من زكاة المال، وغير ذلك من أعمال الخير في المشاركة في إعداد طبق إفطار يومي تهديه إلى الصائمين في المسجد.
إن المرء ليعجب من الصحابة كيف كانوا يغزون وزادهم تمرات يمصونها فيقمن أصلابهم أمام أعدائهم!!
وأتعجب من حال المسلمين اليوم الذين يقضون نهار رمضان في النوم، وقد كان أجدادنا يجاهدون في رمضان، فكانت موقعة بدر الكبرى وفتح مكة والأندلس وعمورية وأنطاكية وعين جالوت، كلها كانت في رمضان.
ثانيًا- تضييع الأوقات وعدم استغلالها:
إن الوقت هو أثمن ما يملكه الإنسان، ولئن قال القائل: "الوقت من ذهب"، فإن هذا في الحقيقة يبخس من قيمة الوقت، فهو أغلى كثيرًا من الذهب، الذي إذا فُقِد فإنه يمكن تعويضه، أما الوقت فلا يمكن تعويض لحظة منه بكل ذهب الدنيا.
أختي المرأة المسلمة، لقد فضل الله بعض الشهور على بعض، وبعض الأيام والليالي على بعض، من ذلك شهر رمضان، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ويوم الجمعة والعشر الأوائل من ذي الحجة، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، يقول النبي: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"[6]. وخير الشهور هو شهر رمضان، به تكثر النفحات، ويعظم الأجر، ويزداد العفو.
فإن لم نصب من الخير في رمضان فمتى؟ وإن لم نجتهد في رمضان فمتى؟ وإن لم تستغل فضل هذا الشهر الكريم وننهل منه فمتى؟ فقد أمَّن رسول اللهعلى دعاء جبريل لما قال: "رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له"[7].
وإليكِ الحلول العملية لاستغلال الوقت في رمضان:
1- حددي المجالات التي تتحركين فيها في رمضان وهي:
- مجال التربية الإيمانية: مثل المحافظة على الصلاة، ختم القرآن، صلاة التراويح، مراجعة فقه الصيام.
- مجال الأقارب والأرحام: صلة الرحم، دعوتهم للإفطار.
- مجال الأسرة والأبناء: متابعتهم في تأدية الصلاة، وختم القرآن، وتعليمهم معلومات في فقه الصيام.
- مجال دعوة المسلمين لأعمال البر: دعوة الأصدقاء، أو الزملاء في الدراسة لصلاة التراويح مثلاً، ثم ضعي أمام كل نشاط الوقت المطلوب تنفيذه.
2- تنسيق وتوزيع الأدوار بين أعضاء الأسرة في الخدمة، والهدف هو إعطاء المرأة حقها في العبادة.
3- عدم إخلاء ساعة في يوم أو ليل في رمضان من نافلة أو عمل نافع وصالح، أو على الأقل نية حسنة.
4- اغتنمي الأوقات المباركة واستشعري حديث الرسول: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"[8].
ثالثًا- عدم التعاون مع الزوج على الطاعة:
من الزوجات من تعطل الزوج عن أعمال الخير, وتحدث بينهما الخلافات بسبب الإنفاق أو العزائم أو الاعتكاف أو كثرة الخروج من المنزل في أعمال الدعوة.
أختي المرأة المسلمة، أعيني زوجك على صلاة الجماعة وخاصة صلاة الفجر، وتلاوة القرآن، وذكر الله، والإنفاق في سبيل الله، وصلة الرحم، وإطعام الطعام، فكل هذا في ميزانك يوم القيامة.
ومن جميل ما يروى في تشجيع المرأة زوجها على النفقة في سبيل الله، موقف أم الدحداح حينما جاء زوجها يعلنها أنه تصدق بالبستان الذي تسكن هي وعيالها طمعًا في عذق[9] في الجنة فكان جوابها: ربح البيع، ربح البيع. وفي ذلك يقول : "كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة"[10].
وإليكِ الحل العملي:
1- احتسبي كل عمل لله، حتى تعاونك مع زوجك في طاعة الله؛ فالدال على الخير كفاعله.
2- ادفعي زوجكِ للطاعة وكل أعمال البر؛ فستجدي الخير والبركة في بيتكِ.
رابعًا- انقطاع العلاقة الزوجية:
يشكو الكثير من الأزواج والزوجات من انقطاع العلاقة الزوجية في رمضان؛ لأن رمضان شهر العبادة، وقد قرأت في أحد المواقع الإسلامية قصة زوج وزوجة حديثي الزواج عندما جاءهم رمضان بعد الزواج, اتفقا أن يكون هذا الشهر أفضل شهر في حياتهم في التقرب إلى الله والعبادة والطاعة, ومن الأشياء التي تم الاتفاق عليها أن يهجروا العلاقة الزوجية حتى لا يتعطلوا عن الطاعة والصلاة والقيام.
وهذه قصة زوجة إذا جاء رمضان تذهب مع زوجها عند أهله ليقضوا شهر رمضان في بيت العائلة, وبالتالي وداعًا للعلاقة الزوجية، وهذه الزوجة تتمنى أن يرزقها الله بطفل، وهي لم تنجب بعد، أليس من الممكن أن يكون هذا الرزق مع بركات شهر رمضان؟
ولنا وقفة مع هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، جاء في تفسير ابن كثير في تفسير الآية: "وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلاً من الأنصار يُقال له (صرمة) كان يعمل صائمًا حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام، فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح صائمًا، فرآه رسول اللهوقد جهد جهدًا شديدًا فقال: (ما لي أراك قد جهدت جهدًا شديدًا؟). قال: يا رسول الله، إني عملت أمس فجئتُ حين جئت، فألقيت نفسي فنمت، فأصحبت حين أصبحت صائمًا. قال: وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام، فأتى النبيفذكر له ذلك، فأنزل الله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ...} إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].
وجاء في تفسير ظلال القرآن: "والرفث مقدمات المباشرة أو المباشرة ذاتها، وكلاهما مقصود هنا ومباح، ولكن القرآن لا يمر على هذا المعنى دون لمسة حانية رفافة، تمنح العلاقة الزوجية شفافية ورفقًا ونداوة، وتنأى بها عن غلظ المعنى الحيواني وعرامته، وتوقظ معنى الستر في تيسير هذه العلاقة {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]. واللباس ساتر وواقٍ، وكذلك هذه الصلة بين الزوجين تستر كلاًّ منهما وتقيه... والإسلام يكشف لهم عن خبيئة مشاعرهم، وهو يكشف لهم عن رحمته –تعالى- بالاستجابة لهواتف فطرتهم".
والواجب العملي هو:
1- الله i قد أحل للزوجين الرفث ليلة الصيام، فلماذا هذا البعد والجفاء والهجر في رمضان؟!
2- احتسبي أجر هذه العلاقة، كما جاء في حديث الرسول: "وفي بضع أحدكم صدقة"[11].
3- مطلوب منكِ -ومن الزوج أيضًا- مزيدًا من الحب والمودة والرحمة والرفق في هذا الشهر الكريم.
4- من يطلب الولد وهذا من الرزق فلا يتباعد في رمضان؛ لعل الله أن يكتب له الرزق ويحقق الحلم.
كان السلف إذا انقضى رمضان يقولون: رمضان سوق قام ثم انفض، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر؛ فاحرصي أن تكوني من الرابحين والفائزين.