إذا كان الصلح خير، فما أجمل أن يكون للضمائر
بقية صحوة، فيأبى كل رجل قد اختلف مع امرأته إلا أن يردها إليه - في شهر
التوبة والغفران - يحدث هذا لدافعين، أولهما الخشية من الله في هذا الشهر
العظيم وطلب مرضاته، أما الثاني فإن كثيرا من الأزواج قد درجوا على هذه
العادة وهي تعليق الزوجات، فإذا ما حل رمضان أعادوهن إلى الديار،
وهذا قد لا يعني سوى الحاجة " الماسّة " إلى طبّاخة تقوم على
شؤون الطبخ وكفى !
كل الحكاية، كسرة سخونة وشربة دافئة ! ؟
..
سهام، كريمة، حياة، هن زوجات قد تعاطين مع هذا البعد الآخر لصلتهن
بأزواجهن، تقول "حياة": لقد امتدت فترة الهجر بيني وبين زوجي لم يسأل فيها
عن شؤوني قط، لكن قبيل حلول شهر الصيام اتصل بي، فهممت بجمع أشيائي
واستأنفت معه الحياة في بيت الزوجية وكانت نيتي هي "إفطار الصائم" هكذا حتى
لا أخسر ولا أندم على عودتي إليه وكذا أمنحه فرصة الصلح، رغم أني واثقة من
أنه لا صلح بيننا، تضيف "حياة" وهذا دأب زوجي، نعيش علاقة متوترة طول
السنة، فإذا ما حل رمضان تظاهر بالقرب والحب ولكن ما ألحظه عليه أنه لم
يحضرني بنية الصلح بل بنية "الطبخ" فهو رجل أكول بطبعه ولا يذكر العبادات
في رمضان إلا قليلا، وذات مرة صمت معه الأسبوع الأول من رمضان ثم سرعان ما
انقلب عليّ وقام بإيذائي في شهر لا يليق فيه مثل ذلك الأذى، فهل هذا حقا
صلح مع الله والعبد أم أنّه مجرد الحاجة لطباخة تملأ البطون؟!
...
"سهام" هي الأخرى من النساء اللواتي تعرضن "لإكرام" الأزواج لهن بإعادتهن
إلى مسكن الزوجية بعد هجر أيام السنة، لكن واقع الحال هي إهانة أخرى مبطنة
تحت شعار رمضان، وأنّ كل الحكاية تدور حول كسرة ساخنة وشربة لذيذة من يد
ماهرة بالطبخ، اقرؤوا إن شئتم ما تقوله "سهام": لقد وقع الصلح بيني وبين
زوجي قبل رمضان، وظننت أن حاله سيستقيم مع هذا الشهر العظيم لكن "اللّي فيه
عادة ما ينحيها"... وزوجي المعروف بالتزامه وتدينه كاد يمنعني حتى من
الصلاة في سبيل خدمته، ولا أقضي يوما معه إلا وبكيت بكاء مريرا من سوء
عشرته وقلة تعامله معي بالمعروف، ولا شيء يتغير في رمضان، بل فلنقل أن سوء
خلقه يزداد سوءا على سوء، حتى وصل به الأمر أن يفطر هو في غرفة وأنا أفطر
بمفردي في غرفة مجاورة، وما عليّ سوى رفع الأواني بعد إفطاره وغسلها وتقديم
الشاي ثم الانصراف، هكذا قضيت كل أيام رمضان لا يكلمني ولا يخاطبني، أما
أنا فمن شدة ما عانيت كانت فرصتي في التقرب من الله عز وجل فازددت طاعة لله
وقربا منه، عسى أن يفرج عني هذه الحال، هل هؤلاء الرجال الذين لا يعرفون
المرأة سوى مرّة في السنة عند حلول رمضان، قد أكرموها بصلح أم أنهم ازدادوا
لها إهانة طالما المقصد لم يكن كذلك؟
لا صلح ولا هم يحزنون، حتى في رمضان ! ؟
"كريمة"
سيدة أجبرها زوجها على صلح عن بعد" فاتصل بها قبل رمضان وطلب منها اللحاق
به في قريته الفلاحية لقضاء رمضان، تقول: لقد ذهبت إليه لأنني كنت أريد
صلحا في علاقة قد أبى الصلح أن يكسوها، ورغم ذلك قلت لا بأس من المحاولة
والتضحية، وعند الوصول ومع أول أيام رمضان وجدت نفسي مجرّد طباخة له، أقوم
بجمع الخضر من البساتين وطهيها بكميات كبيرة للعمال هناك، خاصة طبق
"الحميص" المميز في الشرق الجزائري والذي يعد من أساسيات مائدة الإفطار،
وهكذا كان زوجي قد اصطلح مع أناملي فقط ثم سرعان ما هجرني هجرا أطول،
ورمضان هذه السنة تحديدا، لم يدعني بالمرة إلى قريته " ولو في
السنة مرة " ، لأنه وجد في شقيقاته البديل وهكذا لا صلح ولا هم
يحزنون حتى في رمضان ! ؟
وليست الزوجات وحدهن من يعانين إهانة
تصبح أقسى في رمضان، من طرف أزواج لا يذكرون أنّ في أعناقهم زوجات إلا في
هذا الشهر، والذكرى هنا - حسب الحالات - ليست بنية الصلح إطلاقا، لا أدل
على ذلك حين نرى بعض الصور داخل أسرنا لإخوة يهجرون شقيقاتهم ممن ضاقت بهن
سبل الحياة حتى في رمضان، فلا يدعو الشقيق شقيقته إلى مائدة الفطور ولو مرة
في الشهر، وهذا بحق من الجفاء المعبّر على أن كثيرا من الناس لم يقدّروا
رمضان حق قدره، ولم يعبدوا الله فيه حق عبادته، امرأة تهان حتى في رمضان،
وهي المحظوظة لو ذكرت فيه كل سنة مرّة!؟
ديكور النفس !
تعمد
كثير من النسوة أو جلهن إلى التعبير عن نجاحهن في تكرار العادات السيئة
والسلبية كلما حل موسم الرحمات، فيسخّرن جهودهن وطاقتهن في الاهتمام بطاقم
أوان جديد وكيفيات طبخ غير معهودة، وبالمقابل يقل انشغالهن بمراجعة أنفسهن
وقد علاها غبار الذنوب وصدأ الخطايا، هكذا تفكر الكثيرات فتلجأ الواحدة
منهن لتقليد جارتها وشقيقتها فتقتني الأواني الجديدة حتى لو كانت تملك أجمل
منها، وتتفنن في وضع المأكولات حتى لو كلفتها فوق طاقتها فقط من أجل ديكور
رمضاني، فهل سألت نفسك ماذا تريدين في رمضان؟
ألا تريدين رحمة ومغفرة
وتسابقا في الخيرات وليس الأواني والمأكولات، يعتق رقبتك من النار؟ هلا
راجعت ديكور نفسك بعد ديكور بيتك فرتبت أوقات الفرائض وزينتها بالنوافل
والذكر والقرآن والقيام الذي يغسل الروح من أدرانها، وأفطرت صائما و... كل
ما من شأنه أن يقربك إلى خالقك فتصنعين نفسا طيبة بين جنباتك؟
احذري
أختاه أن تنغمسي في ديكور البطون الذي يزول وتتركين فرصة ترتيب نفسك
ومحاسبتها وتصحيح أخطائها والتوبة عنها، فإنك تتقلبين في سويعات الأجر
العظيم فلا تخسري ذلك، ولا تتحججين بالتعب بطول الوقوف في المطبخ ثم تعجزين
عن أداء فريضتك... اجعلي لكل ذي حق حقه ونفسك أحق، تواضعي أمام مائدة
الإفطار فإن المؤمن يأكل من إناء واحد وقسمي طاقتك بين الأجور الكثيرة ولا
تهدريها بالباطل، إذا نجحت في إصلاح ديكور نفسك بمختلف أشكال العبادات فلا
بأس بعد ذلك بالاهتمام بديكور بيتك ومائدتك، على ألا تسبقك المظاهر
والتقليد الأجوف الذي نسارع إليه نحن النساء قبل المسارعة في
الخيرات لأن الصواب هو العكس !