نسمع دائماً كلمة ( بتوقيت غرينتش ) .. وقد لانعلم ما هو هذا التوقيت وكيف ؟
خطوط الطول هي خطوط وهمية على هيئة أنصاف دوائر غير متوازية تبدأ من القطب الشمالي للكرة الأرضية وتنتهي عند القطب الجنوبي
ويبلغ عددها 360 خطاً وقد تم الاتفاق على إتخاذ الخط الذي يمر بجرينتش
في المملكة المتحدة كخط أساسي ورقمة صفر ويسمى بخط جرينتش
والخط المقابل له في الجهة الثانية من الأرض يسمى خط الزوال فيكون هناك 180 خط شرقي جرينتش و180 خط غربيها
تنهي الأرض دورتها حول محورها أمام الشمس خلال 24 ساعة
أي أنها تقطع 360 خط طول خلال هذه المدة من الزمن أي تقطع المسافة بين خط وآخر في 360 / 24 = 4 دقائق
و هذا هو الفرق بين خط طول وآخر ولخطوط الطول فائدة هامة في تحديد الوقت على سطح الأرض
فقد تم الأتفاق على تغيير الوقت كل 15 خط طول أي ساعة كاملة
لكن لماذا سمي غرينتش ؟
ولكن لماذا سمي خط غرينتش ؟ واين يقع تحديدا ؟ و كيف يبدو في الواقع ؟
غرينتش ضاحية تقع جنوب غرب لندن، وهي الآن جزء من لندن تستطيع تمييزها بسهولة من أول نظرة على خريطة لندن وذلك لوقوعها تحت الانحناء المميز لنهر التايمز , و اهم مايميز المدينة حديقة جرينتش حيث يتواجد خط جرينتش
لندن
القصة الكاملة وراء خط غرينتش
مهمة نحو المجهول
المصدر : قناه المجد
معرفة الموقع الصحيح بشكل متواصل مسألة ذات أهمية بالنسبة إلى القبطان والطاقم في آن معاً، في هذه الأيام توجه السفن بواسطة الأقمار الصناعية، ولكن قبل مائتين وخمسين عاماً كانت تلك الرحلات إلى المجهول مليئة بالمخاطر إلى أن وجد ساعاتي انجليزي حلاً.
كان الفلكيون النافذون في بلاط الملك يفضلون تقضي النجوم بحثاً عن حل لمخاطر الإبحار، غير متصورين أن حرفياً بسيطاً اسمه "جون هاريسون" هو ساعاتي السباق في المسعى لتحديد خط الطول سيجد حلاً لواحدة من معضلات الإبحار الأكثر إلحاحاً.
في عام 1707 وبعد انتصاره في سلسلة من المعارك يوجه الأميرال "كوادزلي شوفيل" أسطوله نحو الوطن عبر ضباب خريفي كثيف، ولعدة أيام يحاول الأميرال تلمس طريقه إلى القناة الانجليزية.
يفترض الأميرال وضباطه أن الأسطول في مياه آمنة على مستوى بريتني الفرنسية ولكن بحاراً يقظاً يلاحظ أمراً مروعاً، فالسفن تبحر باتجاه جزر "سيلي" الخطرة، من المعروف أن ضباط البحرية الملكية لا يقبلون مناقشة الأوامر وعليه يصر الأميرال على عدم تغيير وجهة أسطوله ويقوده مباشرة إلى الكارثة، على بعد عشرين ميلاً من أقصى جنوب غرب انجلترا كان البحارة يتوجهون إلى حتفهم عند جزر "لانزاند".
في الثاني والعشرين من تشرين الأول حوالي الساعة الثامنة صباحاً، لم يكن لدى شوفيل وقت للندم على قراره المميت، فسفينته الأولى سترتطم بالمنحدر الصخري الغادر وتغرق خلال دقائق قليلة.
في تلك الليلة فقدت الإمبراطورية الانجليزية أربعاً من السفن الحربية الخمس وأصبحت جزر سلي الضريح المجهول لألف وسبعمائة من بحارة الأميرال شوفيل، وكل ذلك بسبب عدم قدرتهم على تحديد خط الطول.
ربابنة وتجار من لندن ومالكو سفن تجارية جمعهم وقعوا على عريضة قُدمت إلى البرلمان، لقد طالبوا بأن تعمل الحكومة على إيجاد حل نهائية لمشكلة خط الطول، وأن تعترف بمدى أهميتها وتعين لجنة لمعالجة الأمر وتخصص موارد مالية للبحث عن حلول ممكنة.
ي تموز يوليو من عام 1714 أصدر البرلمان الانجليزي قانوناً محلياً جديداً سمي بمرسوم خط الطول تمنح بموجبه جائزة مالية قيمتها عشرون ألف باوند كمكافأة لمن يستطيع أن يبتدع تقنية لتحديد خط الطول بدقة تزيد أو تنقص بنصف درجة عن خط الطول الفعلي كحد أقصى، وبحد عملة اليوم كان المكافأة المالية توازي عدة ملايين.
أصبح مرصد دينتشي الملكي مركز مجلس خط الطول الذي ضم علماء طبيعة وضباط من البحرية، وموظفين من الحكومة، كان لهم حرية التصرف بالجائزة المالية، كما ضم المجلس السير "إدوارد هالي" الفلكي المعروف وعالم الحساب اللامع "إسحاق نيوتن" وهو مرشدها الأكثر نفوذاً.
كان نيوتن مقتنعاً أن الحل لهذه المسألة يكمن في تراتب الأجسام السماوية، يذكر نيوتن أقمار المشتري ويصف النظام الفلكي من منطلق ظواهر القمر والكسوف الشمسي عبر قياس المسافات إلى القمر، وتدرس هذه المسافات بدراية كبيرة في المرصد الملكي.
في قرية صغيرة على نهر هامبورج يوجد مشغل هاريسون الذي لا يبعد كثيراً عن شمال لندن، "جون هاريسون" هو ابن نجار ومن منشأ متواضع، ولكنه حاد الذكاء، تعلم جون هاريسون حرفة النجارة مثل أبيه، ولكن اهتمامه الحقيقي كان في علم الحركة، لهذا أبهره عمل الساعات طوال حياته.
في العشرين من عمله كان جون قد طور أول رقاص ساعة، هل يمكن التوصل إلى تحديد خط الطول من خلال معرفة الوقت المحدد في البحر، نيوتن لا يحبذ أفكاراً كهذه هو يعتقد أنه لا توجد ساعة في العالم يمكن أن تعطي نتائج دقيقة في البحر.
في ذلك الوقت كان يعاني حتى الربابنة ذوي الخبرة الواسعة من صعوبة في التكيف مع البحار العالية، من المعروف أن أي ملاح متمرس كان قادراً على تحديد خط العرض، في وقت محدد من النهار قام الملاحون بقياس الزاوية بين الشمس والأفق ومتمكنين بذلك من تقدير مراكزهم من الشمال إلى الجنوب غير أن الربعية لم تكن تكشف خط الطول للبحارة.
في العصور القديمة كانت هناك صور للعالم، وقد رسمت عليها خطوط عرض وخطوط طول، وقد كانت هذه الخطوط تستخدم لتحديد أي موقع في العالم باستعمال نقاط تقاطع هذه الخطوط الوهمية، خطوط العرض هي الخطوط المتوازية الخيالية حول الكرة الأرضية من درجة صفر على خط الاستواء إلى تسعين درجة على القطبين، أما خطوط الطول التي تمتد من قطب إلى قطب، فهي تقسم دائرة الاستواء التي تبلغ ثلاثمائة وستين درجة.
بالرغم من ذلك لا يمكن للبحار أن يعرف موقعه المحدد في المحيط إن لم يتم تحديد خطي الطول والعرض معاً، لم يكن بمقدور ربابنة القرن السابع عشر إلا تقدير الطول الجغرافي حاول البحارة قياس المسافات التي قد تم قطعها، كانوا يحتسبون عدد العقد المرخاة من لفة الحبل إلى حين قلب الساعة الرملية لتحديد سرعة السفينة، آخذين تيارات المحيط والرياح المتقلبة بعين الاعتبار حاول الربان إيجاد موقعه لكن وكالعادة لم يصل المكان المقصود، موقع السفينة الميت كان العبارة التي أطلقت على عملية تحديد الموقع في البحر، ذلك لأن التخمين كان في معظم الأوقات يؤدي إلى نهاية مميتة، لذلك كانت السفن تفضل التجمع مع بعضها على القنوات الثابتة.
مع الرياح التجارية الجنوبية التي كانت تهب من أوروبا مروراً بالأزوروس حتى البحر الكاريبي ومن منطقة الرياح الغربية إلى الوطن شكلت السفن غنيمة سهلة للقراصنة الذين كانوا يترصدون على مدى الممرات، عدد لا يحصى من السفن المحملة بالذهب والفضة واللآلئ والألماس والبهارات والقرفة وكبس القرنفل وقع ضحية هؤلاء القراصنة مما أدى إلى تجميد معظم حركة الشحن للسفن في البحر الكاريبي.
لم يكن جنود البحر في آمان بالرغم من سعيهم المستمر إلى التكيف مع السواحل، كان متسكعو الشواطئ يغزون السفن ليلاً مستخدمين منارات مضللة على الهضاب وعند انبلاج الفجر كان سكان القرى المجاورة ينهبون الجوالين على أراضيهم.
أدى عدم القدرة على تحديد خط الطول إلى مآسي بشرية، وخسائر تجارية هائلة، كل ذلك لم يكن إلا سبباً إضافياً دفع بتجار الملاحة الانجليز إلى إيجاد نهج آمن للملاحة وعلى نحو حاسم، الإعلان عن جائزة أهوى علماء ومخادعين للمجيء إلى غرينتش، اضطر المجتمع الملكي عندئذ إلى إعادة النظر في أكثر المقترحات جنوناً، يجب على السفن أن ترسو في المحيط الأطلسي عند مواقع محددة شرط أن تبتعد الواحدة عن الأخرى عشرين ميلاً، عند منتصف الليل وبحسب التوقيت المحلي لكل موقع تُطلق صواريخ في السماء لتتمكن السفن المجاورة من تحديد مواقعها من خلال الإشارات الضوئية والصوتية.
كانت هذه واحدة من الأفكار العديمة الجدوى، ثم كان اقتراح خرافي قد سمي بمسحوق المشاركة الوجدانية بحيث يأخذ أحد سكيناً ويجرح كلباً به، يوجد الكلب بعد ذلك على متن إحدى السفن ويبقى شخص موثوق به على اليابسة ويغمس السكين التي جرح الكلب بها في مسحوق المشاركة الوجدانية ظهر كل يوم، كان يعتقد أن المسحوق سيؤدي وظيفته حتى عبر مسافات طويلة، وهكذا يشعر الكلب بالألم مجدداً وينبح بصوت عالي ولكن كان جلياً أن الحل للمشكلة يكمن في تحديد الوقت وبأي طريقة، غير أن الفلكيين الملكيين أسندوا كل شيء إلى تقنية غير مكتملة تعتمد على نظام المسافة إلى القمر.
إن المبدأ الأساسي لقياس الامتداد الطولي هو عبر قياس الوقت، بالرغم أنه من السهل تحديد مسافة العرض الجغرافية إلا أن تحديد مسافة الطول في البحر أو في الأدغال أمر عسير جداً، الأمر يعتمد على معرفة المرء للوقت بالتحديد عند المكان الذي يكون فيه.
وهناك طريقتان للقيام بهذا الأمر إما أن تأخذ معك ساعة تعمل بدقة متناهية وهذه إحدى الطرق وإما أن تعتمد على ساعة طبيعية موجودة في السماء يمكن رؤيتها من حول العالم كمدار المشتري، أو كما في هذه الحالة الاعتماد على نظرية البعد عن القمر، إن القمر هو أحد الأجسام النادرة التي تتحرك بسرعة هائلة في السماء قبل انسدال النجوم الثابتة، تحرك القمر قبل انسدال النجوم الثابتة يمكن استعماله كبديل عن الساعة التقليدية لقياس الوقت.
تدور الأرض ثلاثمائة وستين درجة خلال أربع وعشرين ساعة، أو خمسة عشر درجة خلال ساعة، إذا تمكن بحار في وسط المحيط من معرفة الوقت الذي تصبح فيه الساعة الثانية عشر ظهراً، عند مرفأ بلدته كمرفأ غرينتش في انجلترا مثلاً وإذا وصلت الشمس إلى ذروتها عند مرفأ غرينتش في خلال ساعة، عندما تكون سفينته خمس عشر درجة غرب غرينتش إذاً الأمر كله اعتمد على معرفة الوقت المحدد عند موقع المرفأ حتى إذا كان المرء يقطع البحار على بعد آلاف الأميال البحرية.
لم يتم تدوين زمن وطريقة وصول أخبار الجائزة المعروضة إلى جون هاريسون القاطن في "يورك شاير" البعيدة، ولكن الساعاتي قرر الاشتراك في المنافسة، لم يمكن هاريسون ليعلم أن هذه المنافسة سوف تصبح صراعاً لمدى الحياة.
كان قد حاز في صغره على كتاب يتحدث عن علم الحركة، ومنذ ذلك الوقت وهاريسون يشغل نفسه بتركيب الساعات الخشبية، مستخدماً المواد الأساسية المعتمدة من قبل جميع النجارين أمثاله.
ذاع صيت هاريسون في بلدته خلال وقت قصير، سمع عنه اللورد "ياربورو" وكلفه بنصب ساعة كبيرة في البرج الواقع في قصره في "بروكس بيبورج" كان هذا عام 1720 منذ ذلك الحين وساعة جون هاريسون تدور مرة كل أسبوع، بعد أكثر من مائتين وثمانين عاماً لا تزال الساعة تدل على الوقت بدقة بالغة.
بنا هاريسون الساعة من الخشب، لا تعمل الساعة على الزيت ولا تحتاج إلى تزييت لأنها مصنوعة من خشب استوائي يعرف بـ"لوجروم فيتاي" وهو خشب يتحلل من تلقاء نفسه عاماً بعد عام، ولا يزال خلال كل هذه الأعوام، لقد استخدمت قطعاً خشبية لا تحتاج إلى الكثير من الصيانة، وليست بحاجة إلى مواد أو إلى زيوت حافظة.
القطع الحديدية القليلة مصنوعة من النحاس الأصفر حتى لا يصدأ تحت تأثير الرطوبة، والمنفذ الخاص يضمن تدفق حركتها وعدم احتكاك أجزائها، كان من المرجح أن ساعة من دون زيت خاصة في ذلك العصر ستعمل بدقة أكبر بكثير من جميع الساعات التي كانت موجودة آنذاك.
يكتب "إسحاق نيوتن" إلى مفوضية خط الطول، من المؤكد أنه لم تظهر حتى الآن أية ساعة سفينة قادرة على تبيين نتائج دقيقة حتى من دون أخذ تحركات السفينة وتقلبات الحرارة ورطوبة الجو بعين الاعتبار.
عانياً بذلك أنه لا يمكن لأي ساعة في العالم حتى في المستقبل العمل تحت تأثير الأحوال الجوية القاسية كهذه، في ذلك الوقت كانت الساعات تعتبر دقيقة حتى إذا قدمت أو أخرت بضع دقائق كل يوم، لحل مشكلة العقرب كان يسمح للساعة بالانحراف لبعض ثواني كل يوم.
في صيف عام 1730 استجمع هاريسون قواه وتشجع للذهاب إلى لندن التي تبعد مائتي ميل عن بلدته.
لقد وجد حلاً لتقلبات الحرارة، كانت المشكلة تكمن في أن الحديد في نواسي الساعة يتمدد مع الحرارة لذلك كانت الساعات تتباطأ عند انخفاض درجة الحرارة، كان نواس الساعة يتقلص، عندما كانت الساعات تتسارع، لذلك بنا هاريسون ساعته من النحاس الأصفر والفولاذ الصلب، بذلك أصبحت حركات تمدد الحديد تلغي بعضها البعض.
كان هاريسون يعرف أن بمقدوره أن يصبح غنياً ومشهوراً إذا تمكنت ساعاته من مواجهة العواصف، في غرينتش أطلع هاريسون الفلكي الملكي على خرائطه حينئذ لم يكن أعضاء لجنة خط الطول قد اجتمعوا وتعارفوا بشكل رسمي.
هاريسون حل مشكلة التزييت وطور آلية لعمل الساعة دون احتكاك أجزائها وصنع نواس ساعة يعمل في جميع المناطق المناخية، إنه الآن على أتم الاستعداد للتسابق مع الفلكيين، كان السير "ادموند هالي" بنفسه أحد أوائل الخبراء الذين اختيروا للحكم على خرائط هاريسون وللاستماع عن كسب إلى تفسيراته المتعلقة بساعة السفينة المبتكرة.
ولكن الفلكي الودود كان يعلم جيداً أن لجنة خط الطول لن تقبل بحل آلي علمي لأمر طالما اعتبرته معضلة فلكية بحتة.
تتألف اللجنة من فلكيين ذائعي الصيت، وعلماء حساب مشهورين وبحارين ذوي خبرة واسعة، كيف يمكن أن يخطر لنجار صغير أن يسعى إلى حل أكبر المعضلات التكنولوجية التي كانت تواجه العالم في ذلك الوقت.
في كل أنحاء أوروبا كان الفلكيون يعملون بجد للوصول لحل لمشكلة خط الطول، في باريس وقبل عقود عدة بني مرصد جديد لهذا الغرض فقط، أحضر لويس السابع عشر إلى إمبراطوريته علماء أجانب ذائعي الصيت، على اليابسة فقط أصبح من المقدور تحديد درجة خط الطول بدقة وذلك من خلال مراقبة أقمار المشتري، ولكن عندما قدم الرسامون الجغرافيون خريطة مفصلة عن فرنسا تقول الأسطورة أن لويس الرابع عشر اعترض على اعتبار أن الخرائط الفلكية أفقدته جزءاً كبيراً من أرض فرنسا أكثر مما أفقده أعداءه.
على اليابسة كانت مشكلة خط الطول قد حلت، اكتشف "جاليليو جاليلاي" الساعة السماوية التي طال البحث عنها.
أربعة أقمار تدور حول المشتري، انكب جاليليو بكل صبر على مراقبة هذه الأقمار الاصطناعية محتسباً مساراتها ومحاولاً تحديد تكرار اختفاء الأقمار الصغيرة وراء المشتري الضخم.
كان كسوف أقمار المشتري يحدث ألف مرة في السنة، فافترض أنه يمكن للمرء ضبط الساعة بحسب تحركاتها، راقب جاليليو أقماره بشكل متواصل إلى أن فقد نظره في سن متقدمة ولم يتمكن من مراقبتها أكثر، ولكن عند الإبحار لم تكن هذه الطريقة سهلة الاستعمال، ففي حين كان الفلكيون يقفون على أرض ثابتة، وجد الملاحون أنفسهم على متن سفن كانت تتأرجح في العواصف والجو المضطرب، مجرد تموج السفينة في بحر هادئ كان يصعب المراقبة الدقيقة للأجسام السماوية المرئية بوضوح كالقمر، بالإضافة إلى ذلك يمكن رؤية المشتري لفترة زمنية محددة كل شهر.
من ناحية أخرى كان الربابنة والبحارون بحاجة إلى معلومات محددة ودقيقة عن موقع سفنهم وبشكل يومي، بعد مائة سنة بدأ جون هاريسون بالعمل على استبدال الساعة السماوية بأخرى آلية لقد تلقى قرضاً دون ربا للتوصل إلى خريطة كاملة لساعة السفينة، نظراً لتعلقه بالفكرة عمل هاريسون على تطوير الساعة لسنوات عديدة وأطلق عليها اسم "هاء 1" توفيت زوجته خلال هذه الفترة، ورزق من أخرى بطفلين.
مازال عمل "هاء 1" لا يرضي طموح هاريسون، الساعة غير جاهزة لتُقدم إلى اللجنة في لندن، اليوم "هاء 1" وكل ساعات السفن الخاصة بجون هاريسون تُحرس جيداً في غرينتش الأمين هو أيضاً ساعاتي وهو مازال يهتم بالساعات القيمة منذ عشرين سنة، وكانت هذه الساعات قد وجدت تتعفن في أقبية مجمع غرينتش واستعيدت خلال سنة 1620 وقد تطلب تركيب وتصليح من ضابط انجليزي سنين من العمل ومنذ ذلك الحين والساعات تعمل بدقة كبيرة كل يوم.
لقد تساءل عن أي ساعة محمولة يمكن أن تحل له مشكلته وتجعله يفوز بالجائزة النقدية، فالساعات موجودة منذ حوالي قرنين ولكنها لم تكن ذات فائدة كبيرة وكانت غير دقيقة، أفضل ساعات ذلك الوقت لم تكن قادرة على تحديد الوقت الدقيق بل كانت تقدم أو تؤخر بفارق دقيقة واحدة، ولكي يربح الجائزة ينبغي أن تكون الساعة دقيقة وبفارق 2.8 من الثانية يومياً، أما الساعات التي كان يعمل عليها هاريسون في عشرينيات القرن السابع عشر، كانت تؤخر ثانية في الشهر، وهكذا كان الحل المنطقي هو أخذ إحدى هذه الساعات والتي لا فائدة منها وتحويلها إلى ساعة محمولة.
لا يزال هاريسون يعمل على "هاء 1" منذ خمس سنوات، ويتحكم بدقة الساعة مستعيناً بمواقع النجوم الثابتة، هاريسون بانتظار الفرصة التي تمكنه من اختبار ساعة التوقيت الخاصة به في البحر وبالرغم من تحمس رجال السلطة في لندن لسماع تقرير هاريسون عن "هاء 1" استمروا في تأجيل عرضه لمرات عديدة، غير أنهم أبقوا على دعهم المادي لأي اختبارات إضافية، عندها بنا هاريسون هيكلاً خاصاً لحماية الساعة من التمايل والقذف القويين في البحر، يختبر ساعته في أحوال جوي قصوى، مطوراً باستمرار أداة الضبط.
ريثما تتنازل البحرية وتوافق على اختيار ساعة السفينة في البحر، في أيار 1736 أصبح الوقت مواتياً، موضب بأمان في صندوق يحضر اختراعه لسن واعد على متن سفينة "اتش اتش إس سانتبيريان في "بورت سماوس" يباشر هاريسون أول رحلة بحرية له في حياته الموقع المستهدف هو لشبونة البحر الهائج والسفينة المتمايلة يفقدان الساعة انتظامها أكثر من مرة.
يعاني هاريسون من دوار البحر طوال الوقت خلال محاولته باندفاع شديد تطوير آليات الساعة.
في رحلة العودة كان البحر هادئاً أكثر والـ "هاء 1" تعمل بدقة إلى حد بعيد، بعد أربعة أسابيع اعتقد القبطان إنه قد وصل إلى نقطة الانطلاق إلى الساحل الانجليزي ولكن هاريسون احتسب أن موقعهم يبعد ستين ميلاً غرباً في مياه خطرة، اقتنع القبطان ووافق على تغيير المسار في اللحظة الأخيرة.
في رحلتها الأولى دقت ساعة السفينة أنقذت الطاقم بقدرة الله من موت محتم، بعد حوالي مائتين وعشرين سنة الوقت مازال المفتاح لتحديد المواقع بدقة، غير متأثرة بالأحوال الجوية والعيوب الآلية في المتناول في أي مكان وزمان نصب الجيش الأمريكي ساعة سماوية اصطناعية في أوائل الثمانينيات منذ ذلك الحين يدور أربعة وعشرون قمراً صناعياً حول الأرض على مسارات ثابتة، إنها أقمار نظام الترتيب العالمي "g.b.s" هذه الأقمار ترسل إشارة وقت متزامنة إلى الأرض، إذا تلقى جهاز هذه الإشارات فسيقيس الفترات الفاصلة الدورية وسيستخدم هذا الفارق الذي يعادل ملايين الثواني لاحتساب الموقع المحدد على الأرض.
هذا النظام قد أصبح ومنذ زمن بعيد جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، توضع المستوعبات في المرافئ العالمية بالاستعانة بنظام الترتيب العالمي وفي مشاريع الأنفاق التي تحفر من جهتين مختلفتين يمكن إيجاد النقطة المحددة لالتقاء آخرها من خلال الأقمار الصناعية عندما بدأ بناء نفق "يورو تانل" أو ذا تشانيل عام 1987 تطلب الأمر حفر خمسة وعشرين ميلاً من انجلترا وفرنسا، سبعة عش ميلاً منها حُفرت تحت القناة الانجليزية وقد التقى بدقة تقاس ببضعة سنتيمترات.
أُطلق نظام الإبحار العسكري للخدمة المدنية في جميع أنحاء العالم، اليوم يعتبر النظام عنصراً قياسياً بالنسبة لجميع أنظمة التوجيه للنقل، على اليابسة أو في النقل أو في السماء، لا يمكن تصور النقل في أيامنا هذه من دون نظام الترتيب العالمي للتنقل من مكان إلى آخر بسرعة وأمان.
ولكن الفائدة الأكبر لنظام الترتيب العالمي لا زالت تعود للنقل البحري، إذا وقعت سفينة ما في محنة في بحر هائج فإنها ترسل بشكل تلقائي موقعها على خطوط الطول والعرض، بهذا يمكن لزوارق الإغاثة أن تسرع للمساعدة من مسافة بعيدة، ويمكنها أن تعرف موقع السفينة المستغيثة بدقة خمسين سنتيمتراً بسبب نظام الترتيب العالمي.
نداء استغاثة من مصب نهر "إلبي" شرق ألمانيا سفينتان تصادمتا على بعد كيلو مترات من الساحل، واحدة منهما تشتعل جزء كبير من الحمولة يتألف من مفرقعات نارية ومتفجرة، بسبب نظام الترتيب العالمي ترشد سفن الإغاثة إلى مكان الحادث بسرعة كافية لمن الأسوأ من الحدوث.
منذ مائتين وخمسين عاماً كانت العسكرية مرة أخرى، البحرية البريطانية في هذه الحالة الأكثر اهتماماً بتحديد المواقع بدقة.
السيد هاريسون.. في نهاية حزيران يونيو عام 1737 مثل جون هاريسون أمام لجنة خط الطول ومعه ساعته الأعجوبة، الفلكي الملكي "إدموند هالي" والأميرال "نوريس" وأستاذ الفلك "برادلي" وأول لورد بحري جميعهم اعترفوا أن هاريسون قد قدم خدمة عظيمة للتاج والوطن، والآن له الحق المطلق في المطالبة برحلة اختبار رسمية، حتى يتمكن من إثبات أن "الهاء 1" جديرة بجائزة العشرين ألف جنيه المقدمة من قبل لجنة خط الطول، ولكن الكمالي هاريسون لم يكن راضياً تماماً عما أنجزه.
أخيراً يرجع الساعاتي الجامح إلى بلدته وفي جيبه خمسمائة جنيه، لقد أراد أن يطور نتائج عمله أكثر ويصنع ساعة "هاء 2" قبل أن يوافق على إجراء الاختبار، ولكن كان هناك آخرون مهتمون بتحصيل الجائزة لأنفسهم.
لقد واجه جون هاريسون منافساً نافذاً إنه فلكي طموح يُدعى "نافل ماسكلين" وقد انتقل إلى لندن حيث اشتهر كان قد درس في جامعة كامبريدج وكان يعتبر شخصاً مقداماً وذا معرفة واسعة وقد أصبح صديقاً ومساعداً للفلكي برادلي ومعه حاول حل مشكلة خط الطول بالاستعانة بالنجوم.
كان ماسكلين إنساناً متحذلقاً وموسوساً يدون كل شيء خلال النهار، طوال حياته كان يضع جداول لكل ما يفعله، المسافة من القمر إلى النجوم الثابتة والمختارة والواضحة حتى خلال الليل استخدمت لوضع الأساس لاحتساب خط الطول، إنها بداية منافسة قاسية بين المدافع عن نظرية مسافة القمر والمدافع عن الوقت.
بقي هاريسون عامين حتى صنع ساعة "اتش 2" وكان الهدف إيجاد ساعة أكثر دقة من "إتش 1" ولكن ساعة "اتش 2" مماثلة لـ"إتش 1" باستثناء أنها تحتوي على عجلات من النحاس الأصفر حيث شعر هاريسون بأن العجلات الخشبية ربما تكون السبب في عدم دقة الساعة، قدم لنا هاريسون أيضاً ساعة أسماها "لمونت رواه" ليتأكد من أن دوران ميزان الساعة يسير بشكل واضح.
لقد بقي هاريسون سنتين حتى اكتشف أن مزلاجاً ميزان ساعتين يعاني من مشكلة ما ولا يمكن حل هذه المشكلة من خلال إعادة تصميمه لأن الموازين ينبغي أن تكون بمثابة دواليب لا مزالج.
بعد سنتين من الشروع في مرحلة بناء "الهاء 2" قد أمضى تسعة عشر عاماً بالعمل مع ابنه على هذه الساعة الفريدة، خلال هذه المدة وقعت سفينة تلو الأخرى في محن في البحر، ووقع العديد منها ضحية القراصنة وعوامل الطبيعة وسقط بذلك أعداد لا تحصى من الأرواح وآلاف الأطنان من البضائع الثمينة.
خلال التسعة عشر عاماً تلك كان هاريسون يفقد الأمل أحياناً وهو يحاول انتزاع دقة أكثر من ميكانيكيته، وقد انتظر عبثاً موافقة الأدميرالية على القيام برحلة اختبار وأحياناً كان يتساءل كيف سيتمكن من إطعام عائلته.
خلال الأعوام التسعة عشر تلك، كانت نظرية مسافة القمر تلقى مزيداً ومزيداً من الدعم، مرة تلو الأخرى طالب هاريسون أن تُخضع "الهاء 3" لاختبار رسمي في رحلة إلى الكاريبي كما كان متوقعاً عند لجنة خط الطول.
في عام 1759 يتلقى هاريسون يتلقى هاريسون رسالة أخيراً سوف تخضع "الهاء 3" إلى اختبار في البحر، غير أن الحملة تُلغى في اللحظة الأخيرة، بدأت حرب السنوات السبع، كل القوى العظمى ومنها انجلترا كان لها دور عسكري في هذا الصراع، شهدت معظم القارات معارك، ومرة أخرى كان على هاريسون الانتظار لقد أصبح ضحية للسياسة العالمية.
رغم ميل الأدميرالية الانجليزية نحو الشك بفاعلية "هاء 3" كانت تريد تجنب أي إمكانية لوقوع هذا الاختراع الواعد في أيدي العدو، مرة أخرى تنطلق سفينة في رحلة طويلة، يبحر القبطان "أنسون" حول كي بورن لقد أنهك طاقمه بفعل أسابيع من العواصف، كما أن المؤن قد نفذت وأصبح الماء غير قابل للشرب، بعد فقدانه وجهته يحوم هانسون في المحيط الهادئ بلا هدف باحثاً عن اليابسة.
كل يوم داء الاختربوط أي نزيف الأسنان يودي بحيات رجاله الهزيلين كان هانسون يعلم بوجود جزيرة قريبة ولكنه غير قادر على تحديد خط الطول، ولا يعلم إن كان عليه الإبحار غرباً أم شرقاً، اختار المسلك الخاطئ.
على شفير الانهيار يصل أخيراً هانسون إلى جزيرة كان يمكن لساعة هاريسون أن تكون سبباً في إنقاذ عدد لا يحصى من الرجال بقدرة الله.
بدأ هاريسون بمخططه التالي "اتش 3" في عام 1740 وهذه هي الآلة التي عرضها عندما فاز بجائزة خط الطول، ولكن بعد مضي تسعة عشر عاماً بقي يعمل عليها ولم يتمكن من جعلها تعطي الوقت بدقة، إلا أن ساعة "اتش 3" تتضمن اختراعين مهمين، الأول هو وجود عامل التعويض هنا من خلال إضافة قطعة معدنية ونحن نستعملها بكثرة في موازين الحرارة وفي مؤشرات الاتجاه في السيارات.
والاختراع الثاني المهم هو تطور الكبير للآلات المضادة للاحتكاك في حالة الصندوق المحيط بالرقاص القديم، والذي كان موجوداً في الساعات القديمة التي سبقت رقاصات الساعات الحديثة الموجودة الآن بالملايين وهكذا نجد في تاريخ العلم الحديث اسم "هاريسون" مقترناً بهذين الاختراعين على أنه رجل عبقري، رغم ذلك لم تخوله ساعة "اتش 3" من الفوز بالجائزة لكنه حقق تقدماً تقنياً كبيراً فيها.
لقد كان يعلم بأن ساعة "اتش 3" لا يمكن وضعها على متن السفينة لأنها كانت ساعة كبيرة جداً، وعندما تأكد أن الساعات ليست دقيقة جداً في تحديد الوقت قرر تطويرها، والميزان الصغير الذي يحافظ على الوقت في الساعة هو الجزء الذي عمل هاريسون في تحسينه، لقد جعله يخزن المزيد من الطاقة وذلك بأن جعله أكبر وأسرع، وهكذا اكتشف أن ساعات اليد هي الحل للمشكلة وليس الساعات الكبيرة، فبدأ العمل على ساعته "اتش 4" ساعته البحرية الكبيرة والتي كانت فعلاً ساعة كبيرة.
هل يعني ذلك أنه كان يتبع الخطة الخاطئة كل هذه السنوات؟ هل وصل إلى طريق مسدود مع هوسه الشديد بعمله على ساعة السفينة الضخمة؟ يبدأ هاريسون وابنه من جديد مركزين على بناء "هاء 4" وهي عبارة عن ساعة جيب مكبرة والتي لا بد لها أن تكون الحل لمشكلة خط الطول برأي هاريسون.
العام 1761 يتحول انتباه علماء العالم إلى مواضيع أخرى التاج الانجليزي يستثمر أموالاً طائلة، ويرسل مراقبين إلى جميع أنحاء العالم، حدث علمي ذو أهمية عالمية كان يلوح في الأفق، وهو البحث في مرحلة عبور كوكب الزهرة.
يتسلم الكابتن "جيمس كوك" منصبه في البحر الجنوبي، العالم والمكتشف المشهور يريد أن يكون جزءاً من هذه المهمة العلمية على جزيرة "تاهيتي" دول أخرى ترسل بعثات إلى جرين لاند لاتخاذ العالم المتجمد كقاعدة، على هذه البعثات أن تراقب الظاهرة نفسها، وذلك عندما يمر الزهرة أمام قرص الشمس اللامع ويحدث منطقة ظل صغير، كما انطلق فريقا بحث آخران نحو روسيا الوسطى وجبال سيبيريا بعثات مكتملة الأعضاء أرسلت إلى مناطق نائية من العالم للقيام بأكبر عدد ممكن من القياسات لهذا الحدث الفلكي النادر، يحصل هذا العبور مرة في العقد.
"نافل ماسكلين" أيضاً أصبح متورطاً في هذا الحدث الفلكي الهام، حتى أنه ترأس إحدى فرق البحث هذه، كانت الآمال معلقة على إمكانية احتساب المسافة الحقيقية والمحددة من الأرض إلى الشمس من خلال مراقبة حركة عبور الزهرة ومن أكبر عدد من النقاط من حول العالم، لقد شكل ذلك الحدث العلمي الأبرز في القرن وأصبحت مشكلة خط الطول مهمشة لفترة وجيزة، في غضون ذلك وفي بلدة "جاتنجال" الألمانية كان مصور جغرافي وعالم حساب شاب يسلك طريقه إلى الشهرة.
في سن الثامنة والعشرين كان قد عين أستاذاً جامعياً في الحساب حتى من دون حضوره أي صف من قبل، كان عبقرياً حقيقياً متمرس في الجبر والهندسة ومؤلف كتب عن التحصينات العسكرية ومواضيع أخرى مختلفة، كان على اضطلاع واسع بالجغرافيا والفلك.
كان اسمه "توبياس ماير" وقد قُدر له أن يلعب دوراً مهماً في عملية تحديد درجات خط الطول، موقع مسافة النجوم ومسار القمر كان قد درس هكذا أصبح من الممكن قياس المسافة بين القمر والشمس أو بين القمر والنجوم، وفي العام 1750 نشر ماير خريطة عن القمر بدقة لم يستطع أحد تخطيها لأكثر من عقد، كمصور جغرافي كان يعلم أنه يجب حل مشكلة خط الطول بسرعة، فقد خصص لهذا الغرض الكثير من وقته واهتمامه، كغيره من الفلكيين حول ماير نظره إلى القمر، هو أيضاً كان مقتنعاً أن حساب المسافات من خلال القمر كان الحل الممكن الوحيد.
لم يكن ينقصه سوى جداول للقمر منظمة ومقسمة إلى شقوق صغيرة حيث يمكن ترجمة المسافة إلى مواقع طولانية، ولكن هذا الأمر كان الأصعب، غير أن ماير حل المشكلة مرتكزاً إلى معادلات حسابية معقدة، وقد اخترع أولى هذه الجداول التي كانت الحلقة الناقصة بالنسبة للمعتقدين بنظرية احتساب المسافة من القمر.
كان لضباط البحرية جداول حيث كانت المسافة من القمر إلى النجوم الثابتة تدون بحسب توقيت غرينتش وباعتماد مركزا الأرض كنقطة المرجع وعلى الفلكي وإن كان موقعه في جوتينجين أو في أي مكان آخر من العالم أن يعدل هذه المعلومات وهذا أمر معقد جداً، ويحولها إلى مكان آخر من العالم، لنقل إلى غابات أمريكا الجنوبية مثلاً وعملية التحويل هذه معقدة جداً لأن الأرض ليست كروية تماماً، إنها على شكل بيضة مسطحة دائمة الدوران كما أن عملية التحويل صعبة لأنك حتى لو مشيت لبضعة كيلو مترات فقط على الأرض يمكنك أن ترى القمر في موقع مختلف من السماء، وذلك لأنه قريب جداً من الأرض، كل هذا يجعل الأمر صعباً.
اعتقد توبياس ماير أنه قد حل مشكلة خط الطول فأرسل شروحاته إلى لندن، نافل ماسكلين أسرع في العمل على ترجمة الجداول إلى الانجليزية ونشرت تحت عنوان دليل البحار الانجليزي، مات توبياس ماير في تلك السنة، وقد تلقت عائلته ثلاثة آلاف جنيه كتعويض من لجنة خط الطول.
نافل ماسكلين قد اقتنع بأن نظرية المسافة من القمر قد أصبحت في مراحلها الأخيرة لتصبح حقيقة فعلية.
عام 1759 وبعد انتهاء هاريسون من صناعة "اتش 4" اعتقد بأن مشاكله قد انتهت ولكنها كانت قد بدأت للتو، والسبب هو أن الحكومة بدأت تتطلب الكثير من هاريسون، كان هاريسون قد بلغ الثامنة والستين في عام 1761 عندما أُرسلت الساعة إلى جزر الهند الغربية لتجربتها للمرة الأولى في باربادوس، وكان معها نجل هاريسون، أثناء تجربتها أبلت ساعة "اتش 4" بلاءً حسناً ولم تؤخر في ستة أسابيع سوى خمس ثواني، وهذا أكثر مما يحتاج إليه كسب الجائزة، ولكن الحكومة لم تكن مسرورة وقالت إن الساعة عملت بالصدفة وينبغي تجربتها مرة ثانية.
"جون هاريسون" قدم إلى العالم أداة دقيقة صغيرة في صندوق، انه لأمر يدعو للسخرية، لم يكن هذا الاختراع بحاجة إلى معرفة في علم الحساب وعلم الفلك.
بالنسبة للعلماء والبحارين السماويين كان ما يخص هذه الساعة شيئاً غير مشرف، ولكن هاريسون كان يعرف أنه قد اخترع تحفته الرائعة، وفي آخر المطاف يقبل بالقيام باختبار آخر في البحر، في آذار مارس من عام 1764 بعد ثلاثة أعوام على أول رحلة امتحان انطلق ابن هاريسون ويليام إلى باربادوس على متن سفينة "تارتار" كان الصندوق الصغير المحتوي على ساعة "هاء 4" مقفلاً بإحكام بواسطة أربعة أقفال، كان ويليام يتفحص الساعة في كل حين، قطعت التارتار المحيط الأطلسي خلال شهرين حتى وصولها إلى باربادوس في الثالث عشر من آذار مارس.
كممثل عن لجنة خط الطول كان من أوائل الفلكيين الذين وطأت أقدامهم اليابسة، كانت مهمته استخدام طرق فلكية لمعرفة الوقت المحلي المحدد ثم مقارنة نتائجه مع ساعة هاريسون، مرة أخرى يقيس الفلكي المسافة إلى القمر ويحتسب الوقت المحدد، إن إنجازاً مثيراً قيد الصنع، "الهاء 4" لم تتراجع سوى عدة ثاني، خلال خمسة وستين يوماً في البحر لم تخسر سوى تسع وثلاثين ثانية.
في انجلترا اجتمعت لجنة خط الطول في جلسة رسمية، بما أن اختراعه قد حقق الشروط المحددة من قبل لجنة خط الطول استحق هاريسون الجائزة فوراً، ولكن الجميع كان قد تآمر ضد هاريسون رغم قرب توصلهم إلى احتساب مسافة القمر لم يقبل الفلكيون أن يجد نجار وباختراع آلي حلاً للمشكلة قبلهم.
قام الفلكيون الملكيون بتعذيب الرجل العجوز لسنوات أرادوا التقدم في نظرية مسافة القمر فشككوا بقياسات رحلة باربادوس ودعوا هاريسون للمثول أمام لجنة خط الطول بشكل متكرر وطالبوه بتسليم خرائط البناء الخاصة بساعة "هاء 4" وأخيراً أجبروه على تفكيك ساعته أمام أعينهم.
مرة تلو الأخرى فسرت قوانين لجنة خط الطول بشكل مخالف ولم تمنح الجائزة لأي كان عاماً بعد عام، في النهاية صادرت اللجنة جميع ساعات هاريسون "الهاء 1 والهاء 2 والهاء 3 والهاء 4" تم تخزينها في غرينتش لعدة أشهر، منافس هاريسون ماسكلين، أصبح فلكياً ملكياً وقد اعتبر الساعات ممتلكات للتاج الملكي فهي على أية حال تم صنعها بإعانات الدولة المالية، كما فرض ماسكلين شروطاً إضافية على هاريسون وأمره بصنع نسختين إضافيتين للـ"هاء 4" من دون خرائط وبلا نموذج أصلي.
على الرغم من تقدمه في السن وضعف نظره ومعاناته المستمرة من داء المفاصل تمكن هاريسون من صنع واحدة من الساعات التي فرضت عليه خلال خمس سنوات، ولكن قوى الرجل العجوز بدأت تضعف وبدأ الوقت المتبقي لديه بالنفاد هل كان بمقدوره صنع ساعة أخرى، مستحيل اليأس شديد ولكن بقيت فسحة وحيدة من الأمل..الملك..
كان عليه أن يتكلم مع الملك.. في ذلك الوقت كان هاريسون رجلاً مسناً يبلغ السبعين من عمره وكان يائساً، لقد أوجد حلاً للمشكلة ولكن الحكومة طلبت منه مطالب جديدة، طلبت أن يصنع شخصاً آخر ساعة مشابهة للـ"اتش 4" لتثبت له أن أشخاصاً آخرين يستطيعون صناعة هذه الساعات، أثناء ذلك شعر هاريسون بالغضب الشديد وذهب إلى الملك "جورج الثالث" طالباً مساعدته.
كان الملك "جورج الثالث" قد بنا لنفسه مرصداً جديداً في "كيو جاردين" خارج لندن، كان لديه اهتمام وشغف بالأبحاث والفلك والأدوات العلمية، وكان قد تتبع باهتمام جدي السباق بين الفلكيين والنجار، عندما توسل إليه هاريسون للقيام بما هو مشروع ومحق تقول الأسطورة إن الملك قال: (هؤلاء الناس قد عوملوا بفظاعة ووعد بالمساعدة).
تخطى الملك اللجنة ولجأ مباشرة إلى البرلمان وتحدى رئيس الوزراء والأعضاء أن يتركوا الحقيقة المجردة تسود، سُمح لهاريسون بالدفاع عن اختراعه أمام الوزراء وبحضور جمهور من عامة الشعب، في تلك السنة مُنح هاريسون جائزة مالية قدرها ثمانية آلاف وسبعمائة وخمسون جنيهاً.
بعد خمسين سنة من خرائطه الأولى أخيراً تلقى هاريسون اعترافاً بميقاته البحري، فقد تزود الربابنة بالساعات القيمة ودفعوا أثمانها من جيوبهم وبعد فترة قصية أصبحت الساعات تنتج بالجملة.
في أيامنا هذه توجد الساعات الأكثر دقة في العالم في أمريكا، خمسون ساعة ذرية وخمس ساعة هيدروجينية تكون ساعة رئيسية تنحرف ثانية واحدة فقط كل مليار سنة.
تخدم هذه الساعة الجيش الأمريكي في كلورادو في إدخال الأقمار الصناعية إلى نظام الترتيب العالمي "g.b.s" يخضع الـ"g.b.s" لسيطرة الجيش الأمريكي وفي حالة الحرب يستخدم الأمريكيون الإشارة السهلة المنال وهم الوحيدون الذين يعرفون الشفرة المصححة، تجد القنابل أهدافها موجهة بإشارات وقت محددة.
لم يستطع جون هاريسون أن يتمتع بثروته ولا بشهرته، هاريسون ذلك الريفي صانع الساعات المتواضع الذي صنع هدية هي الملاحة الآمنة لبحارة العالم أجمع توفي في الرابع عشر من آذار مارس عام 1776 مواجهاً جميع المصاعب وبمساعدة البعد الرابع الوقت، تمكن من جعل النقاط على أرضنا الثلاثية الأبعاد ممكنة التحديد وبوضوح تام.