السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تفضيل الأهل لابن دون آخر كره وبغضاء وهدم لروابط الأسرة
أشتكى احد الطلبة وهو في المرحلة الابتدائية لمعلمته من تفضيل والديه لاخيه الاكبر منه عليه ، بعد ان سرد لها بعض الاحداث والمواقف التي تؤكد شعوره هذا والذي اصبح ينعكس سلبا على علاقته باخيه والذي - بحسب تعبيره - (لم يعد يحبه).
هذا الموقف قد يترك تساؤلا عند الكثير منا حول حقيقة تفضيل الوالدين لابن دون الآخر ، فمثلا يفضلون الابن الأكبر أو الأصغر على أخوته أو يفضلون الابن عن البنت. وهل سلوكيات وأخلاق الأبناء المتضادة من ابن إلى آخر هي التي تحرك مشاعر وعواطف الوالدين تجاه أبنائهم وبالتالي يحدث التفضيل؟ ، وهل تؤدي هذه المشاعر إلى كره الاخوة لبعضهم ، وتزرع الحقد والغيرة بينهم حتى بعد ان يكبروا ويتجاوزوا هذه المرحلة ، "الدستور" استطلعت رأي بعض الذين مروا بهذه التجربة ، واستخلصت رأي علم الاجتماع في الموضوع.
التفضيل موجود
لم يجد "إبراهيم" 22 عاما ، اي حرج من الحديث عن تفضيل والديه وتحديدا والده لاخيه الاصغر منه بسنة والذي يدرس معه في نفس الجامعة ، مشيرا بأن احساسه هذا ليس شخصيا خاصة وان جميع اخوته يتذمرون ويشتكون من نفس الموضوع ، لدرجة ان اخيه الاكبر طلب من والده وبكل صراحة ان يعدل في تعامله معنا وان يمنحنا بعض التميز الذي يحظى به اخي الاصغر.
وأشار ابراهيم ان اخيه الـ"مفضل" يحصل على ضعف مصروفه اليومي ، وبانه يلجأ اليه في كثير من المرات من أجل ان يقرضه بعض المال عندما يحتاج الى امر ما في الجامعة ، كما اوضح ان علاقته باخيه الاصغر لم تصل الى درجة الكره ، ولكنها بلا شك تختلف عن باقي اخوته والسبب هو انه اصبح مغرورا ومتعاليا في سلوكه معهم ومع جميع افراد الاسرة.
وفي نفس الاطار وفي اتجاه مختلف ، تتحدث الطالبة "نعيمة" في المرحلة الاعدادية عن تفضيل والديها لاخيها الاكبر ، واشارت الى انهما وحيدين بعد ان توفت اختهما الصغيرة قبل سنوات وهي في شهورها الاولى بسبب مرض.
وتشرح نعيمة الكثير من المواقف التي تؤكد حقيقة احساسها بتفضيل والديها لاخيها ، حيث يفضلونه عنها في زيادة المصروف وفي اصطحابه معهم في معظم زياراتهم وكذلك في اهتمامهم به في الدراسة ومراجعة الدروس ، الى جانب انهم يتركون له حرية اختيار شراء ملابسه بينما يفرضون عليها ما ترتديه وما تشتريه ، واضافت انهم يسمحون له بحمل "الموبايل" واستخدامه ولا يسمحون لها بفعل ذلك.
وكذلك تحدث "احمد" 31 عاما موظف عن تفضيل والديه منذ الطفولة لاخوانه عنه ، حيث كان يشعر بالظلم والتفرقة في المعاملة لدرجة انه وفي احدى المرات سأل والدته ان كان بالفعل ابنهم كونهم يعاملونه معاملة سيئة ، مشيرا الى انهم كانوا يعزون سبب هذه المعاملة بانه طفل "شقي وغير ملتزم وكسول" وغيرها من الصفات التي لا يراها والديه في اخوانه الذين كانوا هم انفسهم يعلمونه "المشاكسة والشغب".
العدالة والحب في التعامل
عند طرح هذه الظاهرة التي يشتكي منها الكثير من الابناء في التفرقة والتمييز في المعاملة من قبل والديهم بينهم وبين اخوانهم ، اكد معظم الاباء والامهات ممن وجهنا اليهم سؤالا حول حقيقة هذا الامر ، انهم لا يفضلون ابنا عن اخر فهم جميعهم ابناؤهم ، وان كان بعض الابناء يلاحظون هذا الشيء فانه يكون وعلى الاغلب من قبيل الصدفة.
فذكرت السيدة "ابتهال" ربة اسرة انها لا تفضل ابن عن اخر من ابنائها ، الا انها تولى ابنها الصغير اهتمام اكبر بسبب عدم مقدرته على الاعتماد على نفسه ، وذكرت بان معاملتها واهتمامها بابنها الصغير هي مرحلة رافقت كل واحد من ابنائها عندما كانوا صغارا.
من جهة أخرى تحدثت "ام شادي" ربة اسرة عن حبها لجميع ابنائها وعدم تفريقها في المعاملة لاحد منهم ، سواء أكان ولدا او بنتا كبيرا او صغيرا الا انه في كثير من الاحيان تكون عاطفة الام او الاب تجاه ابن معين اكثر من غيره لاسباب خاصة ، مثل انه الابن الاصغر او انه يعاني من مرض ، ودللت ام شادي كلامها بالقصة الشهيرة والتي سألوا فيها اعرابية عن افضل ابنائها اليها فاجابت "الصغير حتى يكبر والغائب حتى يرجع والمريض حتى يشفى".
كذلك اكد "محمود عبد الله" رب اسرة عن حبه الشديد لكل ابنائه وان كان يقسوا قليلا على الابن الشقي وغير الملتزم بهدف التربية والتوعية ، وهنا لا يجد "محمود" ان قسوته في التعامل مع ابنائه تعني التفرقة بينهم ، مذكرا انه نشأ في اسرة كان فيها الاخ المطيع الهادئ والذي كان يحبه ويفضله والداه ، وكذلك الطفل الشقي المشاغب والذي كان كذلك يحبه والداه ، وفي نفس الوقت يقسون عليه بتوجيهه وتعليمه الا ان هذه القسوة لا تعني كرههم له.
تقدير الذات
بدوره شدد الدكتور مجد الدين خمش استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية على اهمية معاملة الابناء معاملة حسنة قائمة على العدل والمساواة بينهم في الجوانب النفسية والمادية والاجتماعية والعاطفية ، مؤكدا ان هذا الامر يعزز من استثمار الابناء بشكل صحي في المستقبل.
وذكر د.خمش أن الاهتمام بجميع الابناء واشعارهم بانهم مرغوب فيهم وان تصرفاتهم واقوالهم تقدر وان افكارهم لها اهمية بالنسبة لابائهم يقوي لديهم مفهوم الذات كما تحدث د.خمش عن موضوع تقدير الذات والذي لا يعرفه كثير من الآباء والامهات والذي يكسب الطفل مفهوما عن ذاته ايجابيا وغير مشوه يؤهله ليكون انسانا فعالا مع نفسه ومجتمعه في المستقبل.
ولم ينكر د. خمش ان هناك بعضا الاباء يميزون في التعامل بين ابنائهم وذلك لاسباب قد تعود لانجذابهم لطفل دون غيره كأن يكون جميل المظهر او انه مطيع وملتزم اكثر من اخواته او ان يكون الذكر الوحيد بين اخوته البنات او البنت الوحيدة بين اخوانها او ان يكون الطفل الاصغر وجميعها اسباب لا تعطي الوالدين الحق في التمييز والتفضيل بين ابن واخر.